التقليل من المصائب مصيبة، وتقزيم الهموم وهم كبير، والقفز عن الواقع هوة سحيقة ستكسر عنق الشعب الساكت عن حقه المغتصب، والغاصب للحق الفلسطيني ليس الصهاينة فقط، كما تذكر كتب السياسة، الغاصب للحق الفلسطيني هم كل أولئك الذين مدوا يد المساعدة للعدو الإسرائيلي كي يغتصب الأرض الفلسطينية، ومن هؤلاء من هو على شاكله أمريكا بقرارها وأموالها، ومنهم من هو على شاكلة عربي يتآمر خلف الكواليس، أو فلسطيني يتفاخر بنهجه السياسي التدميري، وتنسيقه الأمني التخريبي.
لقد جاء في نص قرار ضم أرض الضفة الغربية "في الذكرى الخمسين لتحرير يهودا والسامرة، بما فيها القدس، عاصمتنا الأبدية، تدعو اللجنة المركزية لليكود قيادات الليكود المنتخبة للعمل من أجل السماح بالبناء الحر، وتطبيق قوانين إسرائيل وسيادتها على مجمل المجال الاستيطاني المحرر في يهودا والسامرة".
قد يظن البعض أن قرار حزب الليكود قد سحق اتفاقية أوسلو، ولم يبق للمفاوضين شيئاً يتحدثون عنه، وقد يقول البعض إن القرار قد قضى نهائيا على حل الدولتين، وقد يقلل البعض من شأن القرار، ويدعي أن القرار سيطبق على الأرض التي تقام عليها المستوطنات، وهذه لا تمثل أكثر من 60% من أرض الضفة الغربية، وهنالك فرصة لمقارعة إسرائيل في الأمم المتحدة، وقد يقول البعض إن هذا قرار حزبي غير ملزم للحكومة، متجاهلين أغلبية حزب الليكود، وقد يدلي البعض بتصريحات نارية، ويقول: هذه قرارات لاغية، لن نسمح بتمريرها، سنفشل المؤامرة، وأرض الضفة الغربية فلسطينية، وبعد ذلك يذهب هذا ليتعاون أمنياً مع المخابرات الإسرائيلية ضد المقاومة، وقد يقول البعض: سندعو لاجتماع القيادة، وستدرس أنجع الطرق للرد على قرار حزب الليكود، وهكذا..
والصحيح أن الشعب الفلسطيني أمام كارثة سياسية، ونكبة حياتية لا تقل قساوة ووحشية عن نكبة 48، فدولة إسرائيل لم تقم سنة 48 فجأة، بل قامت بعد أن أسست لوجودها على الأرض عبر عشرات السنين، وهذا ما يحدث اليوم، فقرار حزب الليكود بضم الضفة الغربية لم يسقط من السماء كالمطر، بل سبقه حرث المستوطنين أرضَ الضفة الغربية على مدار سنوات الرضا الفلسطيني، والتعاون الأمني، والمفاوضات، مع غض الطرف عن الممارسات الإسرائيلية، أو الصمت المريب طوال سنوات الانتظار لنتائج فعل الممارسات الإسرائيلية على أرض الواقع.
لقد جاء القرار الإسرائيلي بضم الضفة الغربية كنتيجة طبيعية للنهج السياسي الفلسطيني الذي مكن الصهاينة من أرض الضفة الغربية، وعليه فإن تصحيح المسار لا يعني الوقوف في وجه القرار الإسرائيلي فحسب، وإنما ضرورة الوقوف بحزم في وجه السياسة الفلسطينية التي أسهمت في تمكين اليهود من أرض الضفة الغربية، بل ويجب محاسبة كل مسؤول أسهم في ضياع الأرض، ويجب القصاص من كل صاحب قرار أضاع فرص مقاومة الغزاة، وسهل لهم البقاء آمنين فوق أرض الضفة الغربية.
وما زلنا نخطئ ونقول: إن منظمة التحرير قد اعترفت بدولة العدو الإسرائيلي ضمن حدود سنة 1948، والتي تمثل نسبة 78% من أرض فلسطين السياسية، والصحيح هو أن منظمة التحرير الفلسطينية قد اعترفت بدولة إسرائيل التي لم تعلن حتى يومنا هذا عن حدودها، فحدود دولة إسرائيل مفتوحة على كل قرار يضم أراضي فلسطينية أو عربية، وهذا يدلل على عدم اكتفاء دولة العدو الإسرائيلي بحدود 48، وإنما تعمل وفق مقولة الحاخام الأكبر لهم، حين قال: نمهر حدودنا بوقع أقدامنا.
إن جريمة الاعتراف بدولة إسرائيل تعني مأساة الاعتراف المسبق بكل قرارات إسرائيل المفتوحة على ضم المزيد من الأرض الفلسطينية، بما في ذلك قرار حزب الليكود بضم الضفة الغربية.
ولا خلاص للفلسطينيين من هذه النكبة إلا بخلاصهم من قيادتهم السياسية التي مهدت الأرض تنسيقاً أمنياً لقرار الليكود، دون ذلك، فكل حديث عن مواجهة أو شكوى، أو رفض، أو استنكار أو شجب أو إدانة أو دعوة للقاء أو اجتماع أو مؤتمر هو حديث مسخرة، ونهج تسخيف لدم الشهداء الذي نزف على أرض فلسطين، وهو يصرخ: ليرحل صاحب القرار السياسي الذي يحز بسكين المستوطنين على رقبة أرض فلسطين.