رغم كل المشاعر السلبية التي يكنّها لشخص ما، قد يجد الفرد نفسه مجبرا على التواصل معه باستمرار، وأن يسيطر على نفسه تماما في هذا التواصل، ويبعد مشاعره تماما عن التعامل المطلوب، وذلك لأن البيئة التي تجمعهما تتطلب ذلك، تماما كالعلاقة بين موظفين بينهما من الخلافات الشخصية ما يكفي ليتجها نحو القطيعة، ولكن العلاقة المهنية تحتم عليهما العمل معا، وكذلك يحدث في البيت الواحد، فربما تصف المرأة أم زوجها بأنها "العدو" الأول لها، ولكنها تبتسم لها وتجاملها لأن العلاقة العائلية أكبر من الخلافات.. هذا الشكل من العلاقة محيّر وثقيلٌ على النفس ولكنه أمرٌ واقع.
هو المدير.. فماذا أفعل؟
الموظف "محمد رضوان" عانى لما يزيد على سنة من "مشكلة التواصل مع العدو" كما يسميها، إذ كان على خلاف مع مديره في العمل في تلك الفترة، خلاف نتج عن معرفة شخصية خارج نطاق العمل، وتأجج بفعل محاولات المدير الانتقام منه.
يوضح: "منذ أن علمت أنه سيكون مديري توقعت أنه سيُسيء التعامل معي نظراً لما كان بيننا سابقا، ففي الأصل بيننا قطيعة منذ عدّة سنوات"، مبينا: "قررت أن أكون مهنيا جدا في علاقتي معه، فهو المدير وليس أمامي سوى التواصل معه يوميا، ولكن هذا لم يُجدِ نفعا، فطلبت تغيير مكاني في الشركة".
يكفيني هذا القدر
تقول "أم أسامة": "العلاقة مع حماتي متوترة جدا منذ فترة الخطوبة، وبمرور الوقت كانت تزداد سوءا بدلاً من أن تتحسن"، مضيفة: "وصلت إلى مرحلة لا أطيق فيها والدة زوجي، كل ما أتمناه ألا أراها مطلقاً، ولكن هذا مستحيل لكوني أسكن في بين العائلة، والوضع المادي لزوجي لا يسمح باستئجار بيت آخر".
وتضيف: "فكرت في مقاطعتها، ولكن يكفيني هذا القدر من الخلافات، فالقطيعة ستفتح عليّ باباً واسعاً جداً من المشاكل، وربما أخسر زوجي في نهاية المطاف، لذا فأنا أتحدث معها بأقل كلمات ممكنة، وفي حدود المطلوب، دون التوسع في الحوارات العائلية معها".
أكثر تعقيدًا
ويقول الأخصائي النفسي والاجتماعي الدكتور إياد الشوربجي: "عندما تكون العلاقة بين الناس ودية يطغى عليها المزاح والود والمحبة وغير ذلك من الأشكال الإيجابية للعلاقة، ولكن قد يقع بين أطرافها بعض الخلافات بين الحين والآخر، وهذه هي الحالة الطبيعية، وهذا سواء في العمل أو في الأسرة أو في أي من جوانب الحياة المختلفة".
ويضيف لـ"فلسطين": "أحياناً يضطر الفرد لتغيير هذا الشكل الطبيعي من العلاقات، فيجعل علاقته بشخص ما تسير وفق ضوابط معينة، فهو لا يرغب بالتعامل معه، ولكنه مُجبر على ذلك لأسبابٍ مهنية أو اجتماعية".
ويتابع: "يحدث ذلك في مختلف مجالات الحياة، فقد يكون في الحياة الاجتماعية، كأن تكون العلاقة بين الحماة والكنة متوترة، ولكن إحداهما تستوعب الأخرى وتتحمل تصرفاتها المزعجة حتى لا ينتهي الأمر إلى قطيعة تؤثر على العائلة بالكامل وتؤدي إلى مشاكل أكبر".
ويواصل: "وربما تكون العلاقة الشائكة في مكان العمل، بحيث يكون اثنان من الموظفين بينهما الكثير من الخلافات الشخصية التي تجعلهما يميلان إلى القطيعة، ولكن العمل يفرض عليهما التواصل معاً، فيضطران للتعامل بمنطق العلاقة المهنية فقط بلا أي جانب شخصي، ويخلو تواصلهما من روح الإنسانية، ويكون مقتصرا على الشكل الرسمي".
ويبين الشوربجي: "هذه العلاقة تكون مقيّدة بآليات معينة للتعامل، وتكون جافة ومفتقرة لكثير من المعاني الحقيقية للتعامل مع الآخرين، لأن التواصل الحقيقي فيه عاطفة ومحبة ومجاملات".
ويشير إلى أن السيطرة على هذه العلاقة وتحمّلها يكون أسهل إن كان محصوراً في إطار العمل، إذ يكون مقتصراً على مجموعة من الإجراءات، كأن يطلب أحد الطرفين من الآخر تنفيذ معاملات أو التوقيع على أوراق، فهذه علاقة مهنية، وليس لأي موظف حقوق شخصية على غيره، أما على الصعيد الأسري فالأمر أكثر تعقيداً لأن الاحترام يجب أن يكون سائدا، والتواصل الاجتماعي مستمر ويتناول الكثير من القضايا والنقاشات.
ويوضح: "لتجاوز الآثار السلبية لهذه العلاقات في العمل ينبغي إنجاز المهام دون خلطها بالمشاعر المترتبة على الخلافات الشخصية، وهذا بحاجة لشخصية ناضجة، بحيث يحيّد الموظف مشاعره وعاطفته عن التعامل المهني، لأن هذا الخلط قد ينتج عنه ضعف في الأداء ونقص في الإنتاج وما يعني أن المؤسسة بكاملها ستتضرر".
أما في العلاقات الأسرية، فيكون من الأجدى البحث عن حل من خلال جلسة مصارحة بين الأطراف المتصارعة ، بحسب الشوربجي.
ويقول: " إذا وجد الإنسان من غيره إساءة ورغبة في الانتقام، فالأصل أن يحاول كسب وده، وأن يقابل الإساءة بالإحسان، ويتمسك بأساليب راقية في التعامل، بدلاً من التصرف بطريقة تؤجج العداوة وتشعل فتيل المزيد من المشاكل، وهذا قد يكون جيداً في دفع البعض لمراجعة أنفسهم".
ويلفت إلى أن هذه العلاقات تحتاج في بعض الأحيان إلى تدخل بعض المحيطين لضبطها وإبقائها ضمن إطار محدد لضمان عدم تأثيرها على البيئة كلها، سواء كانت بيئة عمل أو أسرة.