ماذا بعد؟ هو السؤال الذي يعقب نجاح الجمعية العامة للأمم المتحدة بتبني قرار يرفض تغيير وضع القدس المحتلة، ليبطل بذلك قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في السادس من الشهر الجاري، اعتبار المدينة عاصمة مزعومة للكيان الإسرائيلي.
أما الإجابة عن هذا السؤال، فتكمن في تقييم الخطوات التي تتخذها قيادة السلطة ومنظمة التحرير من جهة، والتعويل على الحراك الشعبي الفلسطيني من جهة أخرى.
ورغم الضغوط الأمريكية غير المسبوقة من ترامب، ومندوبة واشنطن الدائمة لدى الأمم المتحدة، نيكي هالي، فإن القرار الأممي بشأن القدس المحتلة، صوتت لصالحه أول من أمس، 128 دولة من مجموع 193 في الجمعية العامة، في حين صوتت تسع دول ضده بينها الولايات المتحدة وكيان الاحتلال الإسرائيلي، وتحفظت 35 دولة وغابت 21 أخرى عن الاجتماع.
هذا القرار له "قوة معنوية كبيرة جدا" -بحسب المحلل السياسي وخبير القانون الدولي د.حسن جوني- لكن ما يمكن أن يحدث تغييرا فعليا "هو ميزان القوى على الأرض".
وردًا على سؤال صحيفة "فلسطين"، عما يمكن للسلطة الفلسطينية فعله بعد القرار الأممي، يفسر جوني بأن هذا القرار أولا، "يجب أن ندعمه بالمقاومة الشعبية والسياسية والعربية بشكل واضح"، مردفا: "هذا القرار لا معنى له غير المعنى المعنوي إنْ لم نستطِع حمايته على الأرض".
ويشير إلى أن هناك "تراجعا، للأسف، في الموقف من بعض الدول العربية، وتراجع أيضًا بعدم دعم المقاومة بشكل قوي جدا. كل ذلك بدون أدنى شك قد يخفف من أهمية القرار الأممي ومن قوته".
ثانيا، على السلطة الفلسطينية اتخاذ مواقف "حاسمة" تجاه الدول التي لم تدعم القرار الأممي الأخير بشأن القدس، وتجاه كل من يمارس التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، بحسب جوني.
ثالثا، يقول جوني إن على السلطة قطع العلاقات مباشرة مع (إسرائيل)، ومطالبة كل دول العالم باتخاذ خطوة مماثلة.
ويشدد على ضرورة قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية بين السلطة وكيان الاحتلال الإسرائيلي، وإلا فإن الأوروبيين ودول أمريكا اللاتينية على سبيل المثال ستقول للفلسطينيين: "نحن لسنا ملكيين أكثر من الملك".
ويردف: "هذا موضوع حساس. يجب قطع العلاقات والطلب من كل أصدقائنا في العالم بقطعها أيضًا مع الكيان الصهيوني، خصوصا الأوروبيين".
ويتساءل جوني، أنه كيف تريد السلطة القيام بذلك وهي لا تزال تعترف باتفاق أوسلو؟ مبينا أنه إذا قطعت الولايات المتحدة بعض المساعدات التي يصفها بأنها "سخيفة" فإن الشعب الفلسطيني ليس بحاجة لها.
ويقول: "يجب أن نأخذ هذا الموقف السياسي بقطع العلاقات والذهاب لكل المؤسسات الدولية ومنها (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة) يونسكو والاتحادان الأفريقي والأوروبي وكل من يدعم قرارنا ضد الكيان الصهيوني".
وينوه إلى ضرورة أن تتخلى السلطة عن "التعاون الأمني والاقتصادي والاعتراف بالكيان واتفاق أوسلو وما يسمى بالمسار التفاوضي"، منبهًا إلى أنها لن تستطيع فعل شيء من خلال الذهاب للمنظمات الدولية وهي "ضعيفة" ولها موقف غير حاسم ومتردد.
وفيما يتعلق بإمكانية رفع دعوى ضد الولايات المتحدة في مجلس الأمن، قال جوني إنه لا يجب التعويل على هذا الأمر كثيرا.
هدف محدد
على المستوى الشعبي، تقول المحللة السياسية نور عودة، إن الحراك الشعبي "مستمر وبوتيرة مختلفة"، مضيفة أن الاحتلال يزيد من وتيرة استخدامه العنف ضد المتظاهرين الفلسطينيين العزل، ما يؤدي إلى وقوع شهداء وجرحى.
وتوضح عودة لصحيفة "فلسطين"، أن سلطات الاحتلال معنية بعدم السماح لصورة الحراك الشعبي بأن تستمر، وتجذب انتباه العالم إليها.
وتؤكد أهمية هذا الحراك الجماهيري والحفاظ عليه، كنوع من الاحتجاج ورسالة تزعج (إسرائيل) وتحرجها للغاية.
وترى عودة أن مسؤولية الحفاظ على زخم هذا الحراك "جماعية"، مبينة أن كل شرائح المجتمع يقع على عاتقها دور في ابتكار الطرق والوسائل الإبداعية لأجل ذلك، فضلا عن تزامن الحراك الشعبي الفلسطيني مع آخر مماثل في العواصم والمدن العالمية.
وردا على سؤال عما إذا كان موقف قيادة منظمة التحرير والسلطة، يرقى للموقف الشعبي الفلسطيني، تعتبر عودة أنه "منسجم" معه برفض سياسة الإدارة الأمريكية الحالية.
في المقابل، يقول المحلل السياسي أسعد العويوي إن رد الفعل الجماهيري الفلسطيني "متقدم عن قيادته السياسية"، مطالبا الأخيرة "بمختلف ألوانها وأشكالها أن ترتقي لمستوى هذا الشعب".
ويضيف العويوي لصحيفة "فلسطين"، أن الانتفاضة الجماهيرية ضد محاولات تصفية القضية الفلسطينية، بحاجة لأن يكون لها برنامج وقيادة وهدف محدد يلتقي عليه الجميع "وإلا سوف تخبو هذه الانتفاضة وتتراجع مع الوقت".
ويردف: "الحراك الشعبي رد فعل طبيعي من الشعب الفلسطيني الذي دائما يسبق بردوده قياداته السياسية على أي مشروع يشعر أنه يهدد كينونة القضية الفلسطينية وأي قرار كقرار ترامب الذي هو في جوهره خطير ويهدد بتصفية القضية من خلال ما سوف يطرح لاحقا".
ويتمم بأن قرار ترامب "مقدمات لخطة أمريكية لها ضوء أخضر من بعض دول المنطقة من أجل إملاء حل يؤدي لتصفية القضية الفلسطينية بشكل كامل وحل لا يلبي طموحات الشعب الفلسطيني".