قائمة الموقع

"فخري أبو دياب" وحكاية "الأرملة" عندما بَكت

2017-12-22T14:46:44+02:00

ورده اتصال هاتفي في أثناء خروجه من باب السلسلة (أحد أبواب المسجد الأقصى) بعد أدائه صلاة الفجر، كان صوت امرأة وهمهمة وأنفاسًا متقطعة وكأنها غرغرة روح، عرَف أنها الأرملة التي تقطن في الحي، بدا الأمر جللًا، لكن رئيس لجنة الدفاع عن حي سلوان المقدسي لم يستطع أن يفهم من كلامها شيئًا.

همّ بالذهاب إلى منزلها ليطلع على ما يجري، وفي الطريق جاءه اتصال هاتفي ثانٍ من "محامٍ" يعرفه، أخبره أن جرافات الاحتلال في طريقها إلى منزل تلك الأرملة لهدمه، قلب كفيه في حيرة، فالأمر صدر، ولا مجال للاعتراض أو الاستئناف.

عن أحد أوائل المتصدّين لأوامر الهدم والمصادرة، وقرارات الاستيلاء على الأراضي والمنازل داخل حي سلوان فخري أبو دياب نتحدث.

في المحراب

بالعودة إلى قصة تلك الأرملة يقول لـ"فلسطين": "لم أعرف أين أذهب، هل أتوجه إلى منزلها وأساعدها بإخراج أطفالها وحاجياتها وأقف متفرجًا على هدم الاحتلال لمنزل عائلتها وتشريدها، أم ماذا؟!"، مستدركًا: "لا أدري كيف عدت أدراجي من جديد، ودخلت من الباب القبلي إلى المسجد الأقصى، وجلست عند المحراب أدعو الله أن يفك هذه المحنة؛ فقرار المؤسسة الاحتلالية صدر ولم يبق لنا سوى الاستئناف عند المحكمة الإلهية".

يتابع: "أقسم لكم في ذلك اليوم حصل للمسؤول الإسرائيلي الذي أصدر قرار الهدم حادث سير مروع، واضطر بسببه إلى مغادرة البلاد مدة، وبسبب الحادث ضاعت الأوراق الرسمية التي تنص على الهدم، والجرافات التي كانت تقف على باب المنزل عادت، واستبدل بأمر الهدم غرامة مالية قدرها 22 ألف شيكل، تمكنت لجنة الدفاع عن أهالي حي سلوان من جمعها من الأهالي خلال ساعات فقط".

ويضيف: "أما السيدة الأرملة التي وقفت ببابها أبشرها بأن الهدم توقف، وأن تعيد أطفالها إلى اداخل، رمقتني بابتسامة اختلطت بدموعها واسترسلت لنا بالدعاء (...) كان مشهدًا لا ينسى، كيف ابتسمت تلك الأرملة، وكيف أعادت أطفالها إلى المنزل، وكيف قفز الأطفال فرحًا، وكيف غنوا وهللوا وهلل الحي كله معهم فرحًا لفرحهم وزوال غمتهم؟!، منذ تلك اللحظة قررت أن أواصل العمل في لجنة الدفاع عن الحي وأهله، مهما كلفني الأمر".

ولادة صعبة

وعن عمل اللجنة نفسها التي تسلم أبو دياب رئاستها عام 2004م، وكيف ولدت أصلًا؟، يحدثنا بقوله: "في مطلع التسعينيات حصلت هجمة شرسة على القدس المحتلة وأحيائها، ومنها حي سلوان، فزادت أوامر الهدم والمصادرة والاستيلاء على الأراضي والمنازل لمصلحة مشاريع الاستيطان الإسرائيلية، تحديدًا في حي البستان المقدس، الذي بدأ تهديده جديًّا بالإبادة منذ عام 2005م"، بالإشارة إلى قرار بلدية الاحتلال هدم 100 مسكن، وهو الأمر الذي سيترتب عليه تشريد 1000 مقدسي.

يكمل: "شعر الناس بخطورة ما يحصل مع أنه لم يكن جديدًا عليهم منذ احتلال المدينة عام 1967م، لكن ارتفاع وتيرته الملحوظ جعل الناس يشعرون أنهم سيُطردون من منازلهم وأراضيهم، ولن يبقى لهم مكان يقفون فيه".

ويتساءل: "لما يهدد منزلك بالهدم وأرضك بالمصادرة؛ فماذا بحول المواطن العادي أن يفعل عندما يقف في مواجهة مؤسسة عسكرية وأمنية بين يديها الإمكانات جميعًا؟!"، مبينًا أن الحاجة إلى الدفاع عن وجودهم وممتلكاتهم "في ظل التقصير الفلسطيني الرسمي والعربي" دفعتهم إلى تشكيل لجنة من الأهالي، مهمتها الدفاع عنهم والوقوف إلى جانبهم في مواجهة سياسات الهدم والمصادرة وغيرها.

ويشير إلى أن اللجنة في البداية تكونت من 15 عضوًا من أهالي الحي، ذاقوا ألوانًا مختلفة من الملاحقات والمداهمات والاقتحامات لمنازلهم، والفصل من العمل وتضييق سبل العيش عليهم، فضلًا عن الاعتقالات والسجن سنوات طويلة، حتى الإبعاد، كما حصل مع الشيخ خالد أبو عرفة الذي أبعد إلى رام الله ولا يزال هناك.

وحتى الآن _يتابع أبو دياب_ لا يزال هناك هجمة متواصلة على سكان القدس وممتلكاتهم، "حتى مقابرهم لم تسلم من مطامع الاحتلال الذي يسعى إلى هدم مقبرة باب الرحمة، وهو الأمر الذي بسببه نوجد في المحكمة الإسرائيلية يوميًّا بصفتنا لجنة دفاعٍ عن الحي".

حب الحي واحترامه

يؤكد أبو دياب أن اللجنة تمكنت من أن تكسب حب الحيّ واحترامه، بفضل حضورها الفوري لكل المواقف التي يحصل فيها مواجهات بين المواطنين وقوات الاحتلال، في حالة تسليم أو تنفيذ قرارات الهدم أو المصادرة وغيرهما.

ويقول: "تمكنت اللجنة من تجميد العديد من القرارات الاحتلالية، وكانت ممثل الأهالي أمام المحتل، واستطاعت أن تجمع تبرعات لدفع غرامات باهظة فرضت على فقراء الحي، وأيضًا تبرعات لإعادة بناء منازل لأهالي الحي أو تسكينهم، ولو بالإيجار، كي تحافظ على صمودهم فيه".

ويبين أن اللجنة تضم مهنيين واستشاريين وحقوقيين، وغير ذلك من أصحاب التخصصات التي تحتاج لها في عملها أمام المحاكم الإسرائيلية، وأحيانًا تحتاج إلى تعيين آخرين ودفع مستحقاتٍ لهم، معقبًا بالقول: "وأحيانًا أخرى يشارك أعضاء اللجنة في دفع المبالغ المستحقة على أهالي الحي المنذرين بالهدم أو الغرامة، تمامًا كما فعل محامي الأرملة إذ دفع 5 آلاف شيكل من 22 ألف كانت مفروضة عليها بدلًا من قرار الهدم".

عن الدعم الذي تتلقاه اللجان الشعبية يقول أبو دياب: "نعتمد على أنفسنا وما يجود به الخيرون من المقدسين، أما الدعم الرسمي الفلسطيني والدعم العربي فهما معدومان، نسمع عنهما في الإعلام فقط ولا وجود لهما على أرض الواقع".

ويؤكد أن السبب الأهم في وجود اللجنة هو غياب الدور الرسمي المدافع عن المقدسيين، وتركهم يواجهون مصائرهم بأنفسهم أمام المؤسسة الإسرائيلية بكل جبروتها، داعيًا إلى تبني عمل اللجان الأهلية سواء على الصعيد الفلسطيني أو العربي.

وفي ختام حديثه يشدد على أهمية الوحدة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال ورد ظلمه، وإن كانت مواجهة غير مسلحة، مستشهدًا بتصدي المقدسيين لقوات الاحتلال التي غرست بوابات إلكترونية وكاميرات ذكية عند مداخل الأقصى، واضطرت إلى التراجع عنها بسبب مقاومة المقدسيين، وإرادتهم النابعة من وحدة الصف الفلسطيني.

اخبار ذات صلة