طغت صورة الطفلة عهد التميمي وهي تصفع الجندي الإسرائيلي على صدغه على كل ما سبقها من صور المواجهات مع الصهاينة، وكانت قبل أيام قد سيطرت على وسائل الإعلام صور القعيد إبراهيم أبو ثريا، وهو يزحف في اتجاه الحدود، ويرفع علم فلسطين، ويعلن الغضب العربي بلا وجل، في مشهد غطى على مشهد المرأة الفلسطينية المحجبة، التي انقضت في القدس على مجندة إسرائيلية، وتعاركت معها، وأمسكت بشعرها، وصرعتها، في مشهد يؤكد أن الفلسطيني والفلسطينية لهما قلب يرعف بالحب للوطن، ولا يهادن الجبناء.
مشاهد المقاومة الفردية التي تحاكي المزاج العام الفلسطيني ليست جديدة على شعب مقاوم، فقد سبق الطفلُ فارس عودة الشهيد إبراهيم أبو ثريا، حين رفع حجراً في وجه الدبابة الإسرائيلية فسحقته الرصاصات الحاقدة، ليلحق به بعد أيام الطفل محمد الدرة، الذي فارق الحياة على مشهد من الجميع، وقد سبق كل ذلك مشهد الجنود الصهاينة، وهم يخطفون أربعة أشبال من قرية بيتا في الضفة الغربية، ويكسرون أذرعتهم وسيقانهم بالصخر أثناء انتفاضة الحجارة.
البطولة الفلسطينية الفردية التي مثلها البطل مهند الحلبي، أول شهداء الانقضاض على الجنود الصهاينة في انتفاضة القدس، هي البطولة نفسها التي مثلتها الطفلة هديل عواد، التي خرجت من مخيم قلنديا، وفي حقيبتها مقص ورق، انقضت به على الجنود الصهاينة، الذين عاجلوها بالرصاص، فصعدت إلى أفق المجد، وهي تصافح البطلة هديل الهشلمون التي رفضت أن ترفع الحجاب على حواجز الضفة الغربية، فأطلق عليها الجنود الإسرائيليون النار بشكل جماعي حتى صارت روحاً تصرخ في رجال فلسطين، فهب لها البطل إياد العواودة من الخليل، وراح يطارد بسكينه جندياً إسرائيلياً، يفر بكامل عتاده وسلاحه، في مشهد يؤكد أن الإرادة تنتصر على السلاح في معركة الوجود، التي يستعد لها رجال المقاومة الفلسطينية، وقد اختبروا كفاءاتهم في الميدان، حين اقتحموا المواقع الإسرائيلية بقوة سلاحهم من نقطة الصفر، ليأسروا الجندي الإسرائيلي من موقعه العسكري، بعد أن داسوا على رقبة زميله بحذاء الكرامة وصدق الانتماء.
المشاهد الفلسطينية في المواجهات لا تحتاج إلى اللقطة الإعلامية، والتوثيق التاريخي فقط، مشاهد المواجهات البطولية تحتاج إلى المحاكاة الميدانية ثانياً، وتحتاج إلى الرعاية السياسية أولاً، فالقيادة التي تمتلك كل هذه الكفاءات والتضحيات والإرادة الشعبية، من العار أن تنكص على عقبيها، والقيادة التي يصطف من خلفها شعب يحمل روحه على كفه، من المهانة أن تتراجع، وألا تكون رأس حربة في مواجهة الأعداء، وفي تجسيد التحدي بقرارات مصيرية، تؤكد على تمسكها بالثوابت الوطنية، والدفاع عن المقدسات بكل السبل، وهي تعصف البارود ناراً في طرقات الضفة الغربية وعلى بوابات القدس العتيقة، التي ظمِئت إلى شربة كرامة عربية، تطفئ شوقها للحرية، واشتاقت إلى غيمة مجد تمطر رصاصاً ثورياً يزغرد في كل الساحات، التي اغتصبها العدو الصهيوني بقوة السلاح، وسيطر عليها بالإرهاب المنظم.
الشعب الفلسطيني لن يعدم البطولة، ولن يفقد الأبطال، ولا ينقصه الاستعداد للتضحية، الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة لا يفتقد إلا لقيادة فلسطينية جماعية، قيادة كفء، تأخذ بناصية الطموح، وتجسد الحلم حقيقة على الأرض بإرادة الشعب.