بعض كان يعتقد أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سوف يستجيب للإدانة الدولية لقراره الخاص بالاعتراف بالقدس عاصمة لكيان الاحتلال، وأنه سيتراجع عن خطئه ويلغي قراره، وبعض اعتقد أن الإدارة الأمريكية لا تستطيع مخالفة قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن القدس المحتلة، وبعض آخر كان يعول على رهان خاسر، وهو أن احتياج ترامب لمليارات ونفط العرب سيشكل ضغطًا عليه سيجبره على التراجع، فماذا حدث؟
الحقيقة أن كل هذه التوقعات قد خابت، إذ استخدمت الولايات المتحدة الأميركية حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي ضد مشروع القرار الذي تقدمت به مصر، وينص على رفض وإبطال إعلان الرئيس الأميركي الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان العبري، ونقل سفارة بلاده إليها، ومع موافقة ١٤ دولة من أصل الدول الـ(15) في مجلس الأمن على مشروع القرار الولايات المتحدة وقفت أيضًا وحيدة في رفضها القرار، ودعمها للاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي يوجه صفعة جديدة إلى العالم بأجمعه، الذي يرفض قرار ترامب ودعمه لكيان الاحتلال وتساوقه معه.
يشكل (الفيتو) الأميركي ضربة قوية للقرارات الدولية، وخاصة قرار مجلس الأمن ٢٣٣٤، الذي مضى على اتخاذه نحو السنة، الأمر الذي يعني تحدي الإدارة الأميركية لهذا القرار وغيره من القرارات التي تعد القدس مدينة محتلة، وكل الإجراءات والانتهاكات الإسرائيلية فيها غير شرعية وباطلة.
فلا مفر من مواجهة حازمة وحاسمة لإدارة ترامب قبل فوات الأوان، فالقدس ليست مقدسة فقط عند الفلسطينيين بل عند العرب والمسلمين كافة، ومن واجبهم التصدي العملي لكل ما يمسها، فهي مقدمة لتصفية القضية الفلسطينية التي هي قضية العرب والمسلمين الأولى، لذا إن هذا التحدي الأميركي للمجتمع الدولي وللإرادة الدولية لا يمكن وضع حد له دون رادع حقيقي ومؤلم، وعدم الاكتفاء بإصدار البيانات وعقد اللقاءات وإصدار التصريحات النارية والرافضة، ولو أنها مطلوبة، فإنها لا تفي بالمطلوب، فكيف بنا نشجب وندين ونحن منقسمون؟!، وكيف تتخذ الدول العربية قرارات وهي تقيم علاقات حميمة مع الولايات المتحدة وبعضها مع الكيان العبري؟!
فلسطينيًّا يجب الإعلان الفوري لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، لكي تكون القرارات العملية بالإجماع الوطني، فالوحدة الداخلية هي الأساس للانطلاق إلى الخارج، وقبله إلى العالم العربي والإسلامي للضغط عليه، كي يتخذ هو كذلك إجراءات عملية، وعدم الاكتفاء بالبيانات، وتصريحات الاستنكار.
ومن واجب الدول العربية عقد اجتماع طارئ للقمة العربية تتخذ فيها قرارات تجسد فورًا، كمقاطعة الولايات المتحدة، وسحب أرصدة بعض الدول العربية المالية من البنوك الأميركية، ووقف ضخ البترول، وغيرها من الأمور الكثيرة التي تجعل إدارة ترامب تراجع مواقفها، وتلغي قراراتها، فعدم اتخاذ قرارات حاسمة حتى الآن أدى إلى تمادي هذه الإدارة، إذ أعلن مسؤولون كبار فيها أن حائط البراق سيكون جزءًا من كيان الاحتلال، وفي خطاب جديد لترامب عد الكيان العبري ليس هو المشكلة في الشرق الأوسط، بل الإرهاب، وكأن بلاده ليست هي المسؤولة عن ظهور هذا الإرهاب، كما ذكرت هيلاري كلينتون أن تنظيم الدولة هي صناعة أميركية هدفها إضعاف العالم العربي خاصة، والإسلامي عامة، وتشويه صورة الدين الإسلامي.
الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن لم يكن مفاجأة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على إصرار الإدارة الأمريكية على مواصلة تحيزها إلى كيان الاحتلال الإسرائيلي، ويعني أيضًا استقالتها من منصبها راعيًا لعملية التسوية، لكن السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان: هل يعني الفيتو الأمريكي إنهاء الأمر ونقول: مبارك عليكم القدس؟!، لا بل ألف لا؛ فالقدس ستبقى تنطق بالعربية وتدين بالإسلام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لكن علينا في المقابل ألا نيأس ولا نستسلم، لأننا نحن أصحاب الحق والقوة والإرادة، فإذا ما اجتمعنا على كلمة سواء فسنكسب بإذن الله معركة القدس، وننتزع من يد ترامب قراره المشؤوم.