"مسارنا لهذا اليوم يبدأ من مطار الملكة علياء الدولي متجهين إلى الأراضي الفلسطينية فوق فلسطين، ثم إلى الشمال من القدس عاصمة الدولة الفلسطينية، ثم إلى السواحل الغربية الفلسطينية، البحر الأبيض المتوسط".
مقطع صوتي انتشر نهاية الأسبوع الماضي عبر مواقع التواصل الاجتماعي انتشار النار في الهشيم، فهذه سابقة هي الأولى من نوعها، فالعادة هي أن يرحب قائد الطائرة بالركاب، ويقول: "يمكنكم متابعة مسار الرحلة من على الشاشات الماثلة أمامكم".
قائل هذه العبارة هو الطيار الأردني "يوسف محمد حسن الهملان الدعجة" (56 عامًا)، "فلسطين" تواصلت معه عبر الهاتف لتتعرف أكثر على ما دفعه لقول هذه العبارة، والتفاصيل تتبع..
في الطريق إلى "ترامب"
الكابتن يوسف ينتمي إلى عشيرة وقبيلة الدعجة التي قدمت ما يقارب 100 من خيرة أبنائها فداءً لثرى فلسطين، ومنهم عشرة على أبواب القدس وسورها، لذا لم يكن غريبًا على ابن هذه القبيلة التي ترفض ما يسمى بكيان "إسرائيل" المزعوم أن يقوم بأي شيء نصرةً للقدس عاصمة فلسطين الأبدية.
يقول الدعجة: "أعمل في عالم الطيران منذ 35 عامًا، وأما طيراني فوق الأجواء الفلسطينية فهو بدأ منذ اللحظة الأولى لقيادة الطائرات، أي منذ عشرين عامًا تقريبًا، في تسعينات القرن الماضي".
ويضيف: "أنا كإنسان عربي ومسلم، فكّرت كثيرًا عقب قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باعترافه بالقدس عاصمة لما يسمى بدولة (إسرائيل) المزعومة"، مشيرًا إلى أن الفكرة راودته بأن يستثمر فرصة وجود أكبر عدد من الأجانب والأمريكيين واليهود في رحلته ليعلن أن القدس عاصمة فلسطين.
قُبيل إعلانه عن مسار الطائرة، أعلم الدعجة زملاءه بنيته القيام بتصريح ما، وعليهم ألا يخافوا، وأنه وحده من سيتحمل التبعات لاحقًا، وأمسك الميكرفون وقال ما ورد ذكره في مقدمة الموضوع.
ويبين أنه بعد أن ذكر فلسطين لم يضف شيئًا آخر على مسار الرحلة، لأنه لم يكن يريد ربط أي مدينة أخرى مع القدس وفلسطين في هذه المرة، لتكون الأنظار متجهة فقط نحو ما يريد، وهو لم يكن يعلم أن هناك أحدًا من الركاب يسجل ما يقول، وأنه انتشر قبيل إقلاع الطائرة، ليصل كلامه إلى الولايات المتحدة الأمريكية قبل وصوله هو ذاته.
فيضٌ من المشاعر حملها صوته وهو يقول: "بعدما انتهيت من الكلام شعرت بنشوة، وطلبت من الله أنه إن كان خالصًا لوجهه ولنصرة القدس وفلسطين أن يتقبل الله مني ما قدمته"، وهو ما شعر أنه تحقق بالفعل، عندما وصل مطار كينيدي في مدينة نيويورك الأمريكية، إذ وجد الجاليات العربية بانتظاره خارج المطار.
"لماذا انتظرت أسبوعًا كاملاً على قرار ترامب لتأخذ هذه الخطوة؟"، يجيب: "كنت أنتظر أول رحلة أقوم بها إلى الولايات المتحدة الأمريكية مباشرة، سأقول ما أريد، وأنا أتجه إلى ترامب، فليسجنني ويعاقبني ويفعل ما يريد فأنا لست خائفًا منه".
هنا سألته: "لم تكن خائفًا من تبعات الحدث؟، عقوبات مثلا من أمريكا ذاتها، أو ربما من شركة الطيران؟"، فأجابني بسؤال: "سيدتي أسألك سؤالا: (فيه شيء أكبر من القدس؟)"، فلما قلت له: "لا"، كان جوابه: "ردّ الفعل بحجم القدس، ما لي تعليق أكثر من هيك، يشهد الله أنه ما رفّ لي جفن".
"أعطِهم برجك"
قوةٌ ما سرت في كلماته هذه المرة، وهو يقول لي: "شجاعتي وقتها جاءتني من الله، ومن رغبتي في نصرة القدس وفلسطين، وأهلها"، مشددًا على أنه حرص على القول أن فلسطين من النهر إلى البحر، وليس كما يدرج تقسيمها حاليًا إلى "الضفة الغربية، وقطاع غزة، وعرب 48"، فهذا "عيب، فلسطين من النهر إلى البحر، ونقطة"، وفق قوله حرفيًا.
حكاية الدعجة لم تتوقف عند عبارته هذه فقط، بل حظي باستقبال شعبي مصحوبًا بالأهازيج من أبناء الجاليات الإسلامية والعربية والفلسطينية خارج مطار كينيدي، واستمر تواصل الناس معه لمدة 36 ساعة متواصلة، لم يذق فيها طعم النوم، لكنه لم يشعر بتعب مطلقًا وهو يرى تأثير كلماته في جميع أنحاء الكرة الأرضية، وتوافد الناس على الفندق الذي يقيم فيه.
لذا ما كان منه إلا أن يتوجه إلى "برج ترامب" في مدينة نيويورك ويلتقط له صورة بجانبه، وينشرها عبر صفحته على فيس بوك، وهو يوجه تحديًا إلى ترامب، يقول فيه: "سيادة الرئيس الأمريكي، أنا أقف إلى جانب أكبر برج لك في نيويورك، إذا أردت أن تمنح وتعطي لليهود أو ما تزعم أنها دولة (إسرائيل) أعطِهم برجك، لا تعطِهم القدس فهي عربية، إنك لا تقرأ التاريخ".
بعد ثلاث ليال ويومين عاد الكابتن يوسف الدعجة إلى بلاده الأردن، واستقبلته عائلته استقبال الفاتحين، وخطب في الجموع المستقبلة له ذات المقولة التي بدأ فيها رحلته، ليؤكد مجددًا أن القدس عاصمة فلسطين الأبدية.
"ستكررها؟ هل من المتوقع أن تعيد الكرة مرة أخرى في كل مرة تحلق فيها فوق القدس؟"، يجيب: "من يبدأ بشيء لا يتراجع عنه"، فرغم أنه تلقى تنبيهًا من شركة الطيران يشدد عليه بالتقيّد بالتعليمات المنصوص عليها في الكتب الإرشادية الخاصة بقواعد الطيران، إلا أنه يقول: "هذه الكتب ليست قرآنًا منزلا، ويمكن تغييرها وتعديلها، ولا مانع من إضافة القدس إليها".
في ختام حديثه لنا، يطلب مني أن تكون آخر كلمة يوجهها لكل أبناء الأمة العربية والإسلامية: "إذا كان عند الاحتلال ترسانة من الأسلحة النووية، فنحن عندنا القدس".