تتعمق الأزمة في صفوف الفلسطينيين سلبًا بشكل يومي، والسبب في ذلك يعود إلى تركيبة السلطة الفلسطينية، وممارساتها السياسية والمالية، وغير ذلك.
السلطة منذ توقيع اتفاق أوسلو المشؤوم عام 1993 وهي تقود الشعب الفلسطيني إلى اليأس، انتفاضة تتبعها انتفاضة ضد الاحتلال الصهيوني يتبعها قمع سلطوي لكل الحراك الوطني الفلسطيني الثائر ضد الاحتلال الإسرائيلي وممارساته عليهم وعلى أرضهم.. تتكاثر المستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية، دون رادع من قبل السلطة، وقواتها الأمنية تطارد الأحرار من الشعب الفلسطيني في كل أنحاء الضفة الغربية وتعتقلهم، أو تسهل للقوات الإسرائيلية اعتقالهم.
أقام الإسرائيليون جدار الفصل العنصري يتلوى في الأرض الفلسطينية كالثعبان ليلتهم الأرض الخصبة للزراعة، ورغم صدور رأي من محكمة العدل الدولية بعدم شرعية إقامة ذلك الحائط ولكن السلطة سكتت عن العمل على تنفيذ إزالة ذلك الجدار البغيض لأن لبعضهم مصالح في بنائه، سكتت السلطة العباسية عن الممارسات الإسرائيلية في مدينة القدس بما في ذلك سكوتها عن هدم المنازل في المدينة من قبل الإسرائيليين وتشتيت سكان القدس تحت ذرائع مختلفة.
السلطة العباسية لا تملك رؤية وطنية ولا موقفا، الموقف في القضايا الوطنية حركة، والكلمات الصادقة منطوقة أو مكتوبة تملك لنفسها قوة فعل غلابة، قوتها تصبح قوة مدفع، والصفحة المكتوبة بصدق فعلها تساوي كتيبة عسكرية، والكتاب جيش بأكمله.
وهنا نقول موقف محمود عباس موقف التاجر الذي لا يريد أن يزعج زبائنه كي لا يبحثوا عن بديل يتعاملون معه.
(2)
في الأسبوع قبل الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بأن القدس عاصمة (إسرائيل)، رغم كل القرارات الدولية التي تعتبر القدس مدينة محتلة من قبل (إسرائيل)، وأصدر توجيهاته لوزارة الخارجية الأمريكية للإعداد لنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى العاصمة الجديدة مدينة القدس. هذا الإجراء أحدث زلزالا سياسيا في كل عواصم الدول الإسلامية إلا بعض عواصم العرب، وكأن شيئا لم يكن، واكتفت تلك العواصم باستنكار ذلك الإجراء، وعلى أثر ذلك القرار، اجتمع وزراء الخارجية العرب في القاهرة وتمخض عن اجتماعهم القول: "إن قرار ترامب بجعل مدينة القدس عاصمة (إسرائيل) سيدفع المنطقة إلى مزيد من العنف"، واكتفوا بذلك البيان الباهت، ودعت تركيا إلى اجتماع قمة طارئة لدول منظمة التعاون الإسلامي، ولم يكن التمثيل في القمة بمستوى القدس، علما بأن مؤتمر قمة قادة الدول الإسلامية انعقد في الرياض في مايو الماضي بأكثر من خمسين رئيس دولة وحكومة إسلامية فقط، لمقابلة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. والخميس الماضي اجتمع رؤساء البرلمانات ومجالس الشورى العرب في المغرب لتدارس الموقف من القرار الأمريكي، ولا شك أن نتيجة اجتماعهم لن تكون أبلغ من نتائج قمة المسلمين ووزراء الخارجية العرب.
تقول المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة "هالي" تعليقا على الغضبة العربية "كنا نعتقد أنه بعد قرار ترامب باعتبار القدس عاصمة لـ(إسرائيل) أن السماء ستسقط على الأرض، لكن لم يحصل ذلك".. وقد سبقتها في القول جولدا مائير رئيسة وزراء (إسرائيل) في حينه، عندما أقدم شاب يهودي على إشعال النار في المسجد الأقصى عام 1969.. وتنادي العرب والمسلمين للثأر للأقصى، قالت "لم أنم الليل كنت خائفة أن يدخل كل العرب على (إسرائيل) من كل اتجاه نتيجة لذلك العمل"، وما أشبه الليلة بالبارحة! سيخمد القادة العرب غضب الجماهير العربية وسيمنع عباس أي حراك فلسطيني من أجل القدس.
يريد الكاتب أن يؤكد أن هذه المؤتمرات والخطب البليغة وحسن الصياغة والشجب والإدانة ورفض القرار الأمريكي كلها غير مجدية إن لم تتبعها إجراءات عملية على كل الصعد، ليس قطع العلاقات الدبلوماسية مع أمريكا تقوم به بعض العواصم العربية أو الإسلامية مجديا ما لم يكن قرارا جماعيا على مستوى دول منظمة التعاون الإسلامي.
وتقوم الدول العربية التي لها علاقة دبلوماسية مع (إسرائيل) بقطع العلاقات الدبلوماسية معها، نظرا لما تمارسه ضد الشعب الفلسطيني، وعلى الجامعة العربية أعني دول الجامعة، العودة إلى نظام المقاطعة على كل الصعد، وكذلك مقاطعة الشركات التي تتعامل مع (إسرائيل).
(3)
في هذه الظروف الصعبة على السلطة الفلسطينية أن تقدم على حل السلطة، وإعلان فلسطين كلها واقعة تحت الاحتلال ويتحمل المجتمع الدولي نتائج ذلك. إلغاء جميع الاتفاقيات مع العدو الإسرائيلي بما في ذلك اتفاق أوسلو الذي وقع في عام 1993، والتنسيق الأمني وإعلان العودة إلى ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية، وتوحيد جميع منظمات العمل الوطني الفلسطيني، ورفع الحصار عن قطاع غزة وإجراء مصالحة وطنية حقيقية بين حماس ومنظمة فتح من أجل فلسطين.
محمود عباس في خطابه أمام مؤتمر قمة منظمة التعاون الإسلامي قال: "لن نقبل بأن تعد أمريكا وسيطا لمفاوضات السلام بعد الآن، لانحيازها لـ(إسرائيل)".. أليس ذلك قولا غريبا؟ وهل من شك بأن أمريكا ليست منحازة لـ(إسرائيل) منذ التأسيس؟! بعض الفلسطينيين يلقي باللائمة على القيادات العربية، خاصة بعض دول الخليج العربي، التي لم تقدم الدعم السياسي والمالي للموقف الفلسطيني كما يجب، قد نتفق مع هذا الاعتقاد، إلا أن على القيادات الفلسطينية أن توحد كلمتها ومواقفها تجاه (إسرائيل) وما يسمى بعملية السلام وبعد ذلك، عليهم لوم الدول التي لا تعينهم على تحقيق أهدافهم في تحرير فلسطين وليس فقط "شقفة" من مدينة القدس.
آخر القول: اصرخوا يا قيادات الشعب الفلسطيني، ويا قادة العالم العربي، احتجوا أدينوا ارفضوا اشجبوا استهجنوا، قولوا ما شئتم... فلا نفع في رعود لا تسقط المطر.