فلسطين أون لاين

​في أحياء "القدس القديمة" حجارةٌ تؤرّخ "كنعانية المنشأ"

...
القدس المحتلة-غزة/ فاطمة الزهراء العويني

تُعرّف "البلدة القديمة في القدس" بأنها المنطقة البالغة مساحتها 900 دونم، والواقعة داخل سورٍ كان بناه السلطان العثماني "سليمان القانوني" على أنقاض السور الروماني القديم، ما بين عامي (1520م، و1566م)، ليحتضن الجزء الأكبر والأهم من معالم ورموز وآثار مدينة القدس التاريخية: المسجد الأقصى وقبة الصخرة وكنيسة القيامة.

هذه البقعة تشكل ما نسبته 0.71% من المساحة الكلية للمدينة المقدسة بشقيها الغربي والشرقي، اللذين احتلا خلال عامي: 1948م، و1967م (على الترتيب)، أدرجتها منظمة (يونسكو) وأسوارها على قائمة التراث العالمي لعام 1981م بناءً على طلبٍ من الأردن، لكنها عادت لتُدرجها بعدها بعامٍ فقط على قائمة "التراث المهدد"، نظرًا إلى ما وُصِفَ بـ"تدهور الوضع السياسي داخلها".

"البلدة القديمة" في حال نفذ الاحتلال خطته لتوسيع حدود القدس تحت ادعاء "صهيونيتها" ستتقلص مساحتها بأحيائها الأربعة الأساسية إلى أقل من 0.15% من المساحة الكلية، وهذا ما يحاول اليوم باحثون فلسطينيون وعرب صدّه بإثبات عروبة وإسلامية القدس منذ آلاف السنين.

عبر هذا التقرير سنتجول معًا بين أحياء البلدة القديمة، حيث كل الأبنية والأضرحة تثبت أن "القدس" عاصمة فلسطين التاريخية والأبدية.

تعدد الأنظمة المعمارية

الأحياء الأربعة في البلدة القديمة _تبعًا لإفادة المؤرخ حسام أبو النصر_ هي: حي الأرمن، وحي النصارى، والحي اليهودي، والحي الإسلامي، وبين أن القدس تتميز بتعدد الأنظمة المعمارية التاريخية فيها منذ استوطنها الكنعانيون، الذين لم يعرف أحد سكنها قبلهم، وما توالى عليها من شعوب على مدى أكثر من أربعة آلاف عام.

قال أبو النصر: "أقدم الأبنية في القدس كنعانية، وهناك غيرها أبنية رومانية ويونانية تمثل جزءًا من أحياء كاملة، اكتشفها الاحتلال في أثناء تنقيبه تحت الأرض بحثًا عن أي دليل _ولو صغيرًا_ يمكن أن يثبت زورًا ملكيته للأرض"، مبينًا أن كنيسة القيامة التي بنَتها الملكة "هيلانا" تشهد على عصر الاحتلال البيزنطي الذي تلاه الفتح الإسلامي، ثم العهد الأموي الذي تطورت فيه الأبنية تطورًا كبيرًا إذ بنيت قبة الصخرة بشكلها الحالي.

وتابع: "يحيط بالبلدة القديمة سور ضخم بناه السلطان العثماني سليمان القانوني يبلغ طوله 3662 مترًا، ويراوح ارتفاعه بين 11.6 و12.2 متر"، مشيرًا إلى أن هيكل السور يشمل 34 برجًا للمراقبة والدفاع عن المدينة، وبه أحد عشر بابًا، سبعة منها مفتوحة، وهي: الأسباط، والعامود، والساهرة، والخليل، والمغاربة, والنبي داود، والباب الجديد، في حين يوجد أربعة أبواب أخرى مغلقة، هي: الرحمة والواحد والمزدوج والمثلث.

نصارى وأرمن ومغاربة

وسميت حارة النصارى التي تقع شمال غربي البلدة القديمة هذا الاسم (والحديث لأبو النصر) لأن أغلب سكانها نصارى أو مسيحيون، وتمتد هذه الحارة من درج باب خان الزيت وسط السوق حتى باب الخليل غربًا، وسويقة علون من جهة الجنوب.

وأكمل: "لكن أصحاب الدكاكين فيها غالبيتهم من المسلمين، والصرح المقابل لكنيسة القيامة فيها هو مسجد عمر بن الخطاب".

أما حارة المغاربة فتقع جنوب شرقي البلدة القديمة لمدينة القدس، بجوار حائط البراق، وقد ارتكب فيها الاحتلال مجزرةً أثرية ومعمارية وإنسانية خلال حرب عام 1967م, عندما احتل الجيش الجزء الشرقي من مدينة القدس.

شمل الهدم والتخريب في "المغاربة" 138 بناية، منها: جامع البراق، وجامع المغاربة، والمدرسة الأفضلية، والزاوية الفخرية، ومقام الشيخ.

ويقع حي الأرمن _حسب ما ذكر أبو النصر_ جنوب غربي البلدة القديمة، وهو أصغر أحياء المدينة المقدسة.

وتعد كاتدرائية الأرمن التي تعرف أيضًا بقلعة أو برج الملك داود من أهم أبنيته، وهي مشهورة بمآذنها وأبراجها الجميلة، ومنطقة القلعة نفسها كانت في يوم من الأيام قصرًا للملك هيرودوس.

الإسلامي واليهودي

ويقع الحي الإسلامي في الجهة الشمالية الشرقية، ويعد أكبر أحياء القدس القديمة، يوجد بداخله الحرم القدسي الشريف، ومساحته 144 دونمًا، أما الحي اليهودي _على وفق إفادة أبو النصر_ فيقع في الزاوية الجنوبية الشرقية من البلدة القديمة، ومدخله باب المغاربة.

أضاف: "ومنذ أن احتل الكيان العبري عام 1967م الشق الشرقي من القدس أخذ هذا الحي يكبر ويتسع بسرعة على حساب الأحياء الأخرى".

وبين أبو النصر أن الحي يفصله عن المسجد الأقصى المبارك من الجهة الشرقية حائط البراق، الذي هو جزء من السور الغربي للأقصى، ووقف إسلامي يعود بناؤه إلى حقب تاريخية مختلفة، وهو ضمن أوقاف السادة المغاربة.

وهذا الحائط على إسلاميته وقفًا يدعي اليهود أنه الحائط الخارجي لما يطلقون عليه اسم الهيكل الثاني، ويسمونه زورًا "حائط المبكى".

حارات عربية

وتقع ضمن أحياء البلدة أيضًا حارة الشرف، وهي منطقة سكنية قديمة ملاصقة لحارة المغاربة، كانت تملكها عائلة عربية تدعى عائلة شرف، وقد هدمت هذه الحارة خلال حرب 1948م بين العرب واليهود، وخرج منها السكان اليهود جميعًا وبقيت على حالها خلال العهد الأردني، وفي عام 1967م احتل الإسرائيليون القدس، وادّعوا امتلاكهم هذه الحارة، وطردوا ثلاثة آلاف من سكانها الفلسطينيين، ودمروا معظم منازلها، وحولوا اسمها إلى "حارة اليهود"، حسبما أفاد أبو النصر.

حارةٌ أخرى هي "الغوانمة"، وتعرف أيضًا بحارة بني غانم، أو حارة أولاد غانم، لأن سكانها جميعهم من بني غانم، الذين يزيد عمر وجودهم في القدس على ألف عام.

اكتسبت الحارة تسميتها من الجد الأول للعائلة شيخ الإسلام غانم بن علي بن حسين الأنصاري الخزرجي المقدسي، الذي نزل بها بعد تحريرها من الفرنجة عام 583هـ.

عقب أبو النصر: "حارة الغوانمة تقع في الجهة الشمالية الغربية للحرم القدسي الشريف، ويحدها من جهة الجنوب ساحات الحرم، ومن الشرق التخوم الجنوبية لحارة باب حطة (حارة شرف الأنبياء)، ومن الشمال طريق النيابة المعروفة اليوم باسم "طريق الآلام" حسب ما يسميها المسيحيون، ومن الغرب خط وادي الطواحين المعروف اليوم باسم (طريق الواد)".