حتى الآن لم تجتمع القيادة الفلسطينية، ولم يصدر أي موقف رسمي فلسطيني يمثل منظمة التحرير الفلسطينية، أو يمثل المجلس المركزي، أو يمثل المجلس الوطني، أو يمثل المجلس التشريعي المعطل، فحتى هذه اللحظة التي اجتمع فيها مجلس الأمن الدولي، واجتمع مجلس جامعة الدول العربية، واجتمع البرلمان العربي في جلسة طارئة، وخرجت الملايين على مستوى العالم تندد بالقرار الأمريكي، حتى هذه اللحظة لم يجتمع البرلمان الفلسطيني، ولا المؤسسة الرسمية الفلسطينية، وكأن مأتم القدس يخص الجيران، ولا علاقة للفلسطينيين بما حل بها.
غياب الموقف الرسمي الفلسطيني، غياب المؤسسة الفلسطينية، واقتصار رد الفعل على خطاب السيد عباس وحدة، وعلى رد فعل التنظيمات الفلسطينية، هذا الغياب المؤسساتي يفضح الحالة السياسية الفلسطينية برمتها، والتي غدت مهمشة، ولا يعبر عنها إلا شخص الرئيس، فإن ابتسم لشيء، فعلى المجتمع الفلسطيني أن يبتسم له دون نقاش، وإن غضب من شيء علينا أن نحمل العصا ونفزع على ذاك الشيء دون أن نفهم الأسباب، هذه الحالة من غياب المؤسسة الفلسطينية تستحث كل ذي وطن مغتصب على البحث عن أصل القرار السياسي الفلسطيني، أين هو؟ من الذي يتخذ القرار؟ وكيف يصير اتخاذ القرار؟ ومن المرجعية لتطبيق القرار؟ وما مصوغات أي قرار سياسي يتعلق بصلب القضية الفلسطينية؟ وأين بقية التنظيمات التي غابت عن التمثيل داخل المؤسسة التي غابت عن الحضور والتأثير؟ وألف سؤال في هذا الإطار.
وقبل أي حديث عن صفعة ترامب لمدينة القدس، وقبل الحديث عن سبل تصعيد الانتفاضة وتصعيد المواجهات، وقبل الحديث عن سبل مواجهة المستوطنين وتوسع المستوطنات، وقبل الحديث عن مصير آلاف الأسرى، ومصير اللاجئين والحدود والوطن المغتصب والمصالحة الوطنية، قبل كل ذلك على الشعب الفلسطيني بكافة أطيافه السياسية ومؤسساته وتنظيماته وقواه الفاعلة وشبابه وصباياه وطلائعه الثورية ومثقفيه ووجهائه وشخصياته الوطنية، على الجميع أن يفتش عن وطنه فلسطين في القرار السياسي الفلسطيني الضائع، فإذا عثرنا جميعاً على مصدر التشريع، ومصدر القرار، ومصدر المحاسبة والمسائلة، وقتئذٍ يصير الحديث عن البرنامج السياسي، وعن مستقبل الشعب الفلسطيني، وعن آلية مواجهة العدوان تحصيل حاصل، ودون الوصول إلى نقطة الصفر المتمثلة في مصدر القرار السياسي، فلا يمكن الانتقال إلى أي خطوة عملية تسهم في كنس الاحتلال، وسنبقى أسرى ردة الفعل الباهتة والبائسة.