إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن القدس المحتلة عاصمة كيان الاحتلال الإسرائيلي هو بمنزلة "وعد بلفور جديد"، بل يعدُّ هذا الإعلان في الوقت الحالي أخطر من وعد وزير الخارجية البريطاني اللورد جيمس بلفور عام 1917م، حين قدم فلسطين على طبق من ذهب هدية مجانية لليهود، لأنه بمنزلة استكمال لـ"وعد بلفور"، وسيكون طعنة جديدة من الخلف في ظهر العرب والمسلمين والمسيحيين، ويعد تحديًا خطيرًا يؤلمهم ويجرح مشاعرهم، في هذا الوقت تحديدًا، مستغلًّا ضعفهم وهوانهم وانشغالهم بقضاياهم الداخلية.
لكن شعبنا الفلسطيني بأسره وعشرات الملايين من العرب وأحرار العالم وجهوا صفعة مدوية إلى ترامب، مؤكدين بطلان إعلانه، وليس أدل على ذلك من إجماع دول العالم سوى الولايات المتحدة الأمريكية على إدانة ورفض قرار ترامب الأحادي الجانب.
مع الإدانات الدولية لقرار ترامب لا تزال إدارته الموهومة تتبجح بأنها ما زالت ملتزمة بعملية "السلام"، في محاولة لذر الرماد في العيون، فأي سلام ذلك الذي يريد صنعه ترامب، الذي وضع نفسه موضع العداء السافر للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، وللأمتين العربية والإسلامية، ولأحرار العالم؟!، وأي سلام هذا الذي سيقوم على تزوير التاريخ وطمس الهوية العربية الإسلامية للقدس؟!، وأي سلام هذا الذي يمكن أن يصنعه رئيس أمريكي وضع نفسه في خدمة الصهيونية والاحتلال الإسرائيلي غير المشروع؟!
الشعب الفلسطيني، ومعه أمته العربية والإسلامية، وكل أحرار العالم، وبإيمانه بعدالة قضيته وحقوقه المشروعة، وبإرادته التي لا تلين لن يكون الخاسر بسبب موقف باطل اتخذه ترامب، بل إن الخاسر الأكبر هو الولايات المتحدة الأمريكية التي باتت معزولة، ليس في الشرق الأوسط فحسب، وإنما في مناطق مختلفة من العالم، بسبب السياسة المتهورة التي ينتهجها ترامب إلى الدرجة التي دفعت الرئيس السابق باراك أوباما إلى التحذير من ظهور هتلر جديد في أمريكا.
وفي المحصلة إن ما يجب أن يقال هنا لترامب وإدارته، وللاحتلال الإسرائيلي الذي يعتقد واهمًا أن إعلان ترامب حسم قضية القدس المحتلة: إن الشعب الفلسطيني سيواصل نضاله العادل مدعومًا بأمته العربية والإسلامية وكل أحرار العالم، ومدعومًا بإيمانه الراسخ بعدالة قضيته وإرادته الصلبة، حتى ينتزع حقوقه الثابتة والمشروعة بإنهاء هذا الاحتلال البغيض، وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس، وضمان حقوق لاجئيه في العودة على وفق قرارات الشرعية الدولية، سواء شاء ترامب أم أبى.
المقاربة الأمريكية المستخدمة اليوم تأتي لإرضاء "اللوبي اليهودي" و"إيباك" ونتنياهو، الداعمين الأساسيين لترامب في الانتخابات والفوز بالرئاسة، والمتسترين على فضيحة تواطئه مع روسيا في أثناء اﻻنتخابات (ردًّا للجميل)، وعلينا الانتباه جيدًا إلى خديعة الإدارة الأمريكية بجرنا إلى عملية السلام تحت أي حجج ومبررات فيما يعرف بـ"صفقة القرن" أو ما شابه ذلك، أو ابتزاز الطرف الفلسطيني، بمقايضة قضية القدس المحتلة بقضية استمرار فتح مكتب تمثيل المنظمة في واشنطن، وهذه المقايضة لا أعتقد أن هناك أي عاقل يوافق عليها، فالقدس مرتكز أساسي من مرتكزات المشروع الوطني، وأهم من أي تمثيل أو صفقات، ويكفي ما ارتكبناه من خطيئة كبرى بتأجيل مصير القدس إلى ما سمي المرحلة النهائية، التي ما زلنا ندفع ثمنها حتى اليوم، لذا علينا أن نكون يقظين لأي لعبة وخديعة سياسية جديدة من الإدارة الأمريكية، والتعامل معها على أساس أنها طرف منحاز إلى حليفه، لا طرف نزيه، كما خدعونا بهذا المسمى الكاذب طوال العقود السابقة.
لم نتفاجأ بقرار ترامب النقل أو الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لكيان الاحتلال، ونقل السفارة الأمريكية إليها من عدمه لن يلغي عروبتها وإسلاميتها (بشهادة "يونسكو")، فهو سبق أن وعد ناخبيه بذلك، ولم نأخذ الأمر على محمل الجد، وعددناه مجرد كلام للدعاية الانتخابية، ومنذ ذلك الوقت يعمل على تنفيذ وعده، لكن ما تفاجأنا به الموقف العربي والإسلامي المخجل، الذي لم يتعدى أكثر من إدانة واستنكار، وكأن القدس لا تهمهم، في حين جاءت المواقف الغربية ومواقف أمريكا الجنوبية وأستراليا أكثر جرأة، وأكثر حرقة على مدينة القدس.
مطلوب من العالمين العربي والإسلامي على المستويين الرسمي والشعبي الوقوف عند مسؤولياتهما، والعمل على وقف تنفيذ هذا القرار، وعدم الاكتفاء بتجريمه فقط.