حسم الرئيس الأمريكي نتائج المفاوضات مع الإسرائيليين قبل أن تستأنف، وقبل أن تعلق ملفات صفقة القرن على أسوار القدس، التي صار اسمها أورشليم بقرار سياسي أمريكي، جاء مناصرًا للممارسات الإسرائيلية التي استثمرت سنوات المفاوضات مع الفلسطينيين، فعملت على تغيير الواقع، وفرض السيطرة الأمنية والاقتصادية على كل مرافق الحياة بين النهر والبحر.
كان القرار الأمريكي بالإعلان عن القدس عاصمة إسرائيل هو الطعنة النجلاء التي قطعت النخاع الشوكي لأي حلم فلسطيني بقيام دولة مستقلة على حدود سنة 67، لقد شلت الطعنة أطراف المفاوضات الفلسطينية، فما عاد لأي مفاوض القدرة على الحركة السياسية، وتسويق الوهم ثانية للشعب الفلسطيني، ولا سيما أن مشهد المفاوضات الفلسطيني قد أضحى ممسحة للقرارات الأمريكية، والتي ستتلاحق وفق الإرادة الإسرائيلية، فبعد الاعتراف بالقدس يأتي الاعتراف بالمستوطنات اليهودية جزء من دولة إسرائيل، ليصير من المنكر نزع أي مستوطنة عشوائية، لتكون الخطوة التالية هي شطب حق اللاجئين الفلسطينيين، ويليها الإقرار بعدم العودة إلى حدود 67 تحت أي ظرف كان، وقبل هذا وذاك لا بد من الإقرار الأمريكي والموافقة العربية على الشرط الإسرائيلي القاضي بقيام الدولة اليهودية بين النهر والبحر.
القدس عاصمة لإسرائيل لا يعني إلا فشل مشروع السلام الممتد من عام 91، وهذا يفرض على الشعب الفلسطيني بتنظيماته السياسية وقواه الفاعلة أن يحدد معالم خطواته السياسية للمرحلة القادمة، والتي يجب أن تعتمد على المواجهات بديلًا عن المفاوضات، لتكون الخطوة الأولى هي سحب الاعتراف بدولة اسمها إسرائيل، كمقدمة للعودة إلى الميثاق الوطني الفلسطيني بصيغته الوطنية، وذلك بعد إعادة ترتيب البيت الفلسطيني بناء على فشل مشروع المفاوضات.
إعادة ترتيب البيت الفلسطيني تبدأ بالمطالبة الشعبية برحيل الرئيس محمود عباس، وحل السلطة الفلسطينية، وتحميل الاحتلال مسؤوليته الكاملة تجاه السكان، يجب أن يتجرأ الجميع، ويرفع الصوت عاليًا، بضرورة رحيل السيد محمود عباس فورًا، فمن كان بطلًا طوال مرحلة المفاوضات لا يحق له أن يكون بطلًا في مرحلة المواجهات، فالمسافة الفاصلة بين مرحلتين لا تسمح إلا بصعود قيادات فلسطينية جديدة شابة، قادرة على تحمل المسؤولية، وفي هذه الحالة الانتقالية قد نذكر الجميع بالمجلس التشريعي الفلسطيني كممثل حقيقي لإرادة الشعب الفلسطيني، وكجهة وطنية قادرة على تحمل المسؤولية، وقيادة العمل الوطني المؤقت إلى حين استكمال ترتيب الوضع الداخلي الفلسطيني بالشكل الذي يسمح بوحدة الصف ووحدة الموقف ووحدة الرؤية السياسية القادرة على رسم معالم الطريق وفق الإرادة الفلسطينية.