تقول " بيلين فيرنانديز "، مؤلفة كتاب " رسول الإمبريالية " إن كيان المستوطنين في فلسطين المحتلة هو سَيِّد الجرائم الأول في العالم والأكثر احترافاً من بين صُنَّاع الكوارث. وتُضيف " بيلين " أنه و " من وجهة نَظَرٍ حقيقية وموضوعية كالشمس أن جيش (تل أبيب) قَتَل عشرات الآلاف من المدنيين في العقود الماضية، ناهيك عن قصف المستشفيات والمراكز الطبية وبِشكلٍ منهجي مُنظّم وجَرَح مئات الآلاف مراراً وتكراراً ".
وهي إشارة لما اقترفتهُ دولة " الثكنة العسكرية " من مجازر في كل من فلسطين ولبنان وسوريا والأردن والعراق والسودان وتونس وغيرها الكثير!
ما جرى في صفاقس جنوب تونس يوم الخميس الماضي، وكما أكَّدت صحيفة " يديعوت أحرونوت " العبرية باغتيال الموساد للمهندس الطيار التونسي محمد الزواري (49عاماً) أمام منزله، لمساعدته المقاومة الفلسطينية لصناعة الطائرات بدون طيار، إلى جانب مواقفه الداعمة للنضال الوطني الفلسطيني لاستعادة حقوقه العادلة في فلسطين حُرّة مستقلة، لم تكن العملية الإرهابية الأولى لهذا الكيان المارق، بل سَبَقتها عدّة عمليات استهدفت العديد من رجال المقاومة من بينهم القائد الشهيد خليل الوزير (أبو جهاد)، في منزله في تونس العاصمة وقد شارك في هذه العملية المُعقَّدة وحدات من القوات البحرية والجوية ومجموعات من الكوماندوز، وفي عملية أُخرى قيام سلاح الجو بقصف مقرات ومواقع لمنظمة التحرير الفلسطينية العسكرية المُتَموضِعة في منطقة "حمام الشَط " وقد أوقعت الغارات العديد من قيادات وكوادر المنظمة بين شهداء وجرحى، وقد كان الشهيد الراحل القائد ياسر عرفات الذي نجا بأعجوبة من بين المُستهدفين في هذه العملية الغادِرة التي أدارها وخطط لها جهاز الموساد الصهيوني.
عمليات الموساد لم تتوقف عند هذا الحد بل قامت أيضاً باغتيال القائد الشهيد صلاح خلف (أبو إياد) وهايل عبد الحميد (أبو الهول) والعديد من القادة ليس في تونس فقط وإنما أيضاً في أوروبا وأمريكيا اللاتينية.
وفي مالطا عام 1995 ميلادية قام الموساد كذلك باغتيال القائد د. فتحي الشقاقي الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي.
وقد استمر هذا المسلسل الإرهابي ليطال معظم قيادات حركة " حماس " في الضفة وقطاع غزة المحتلتين وكان من بينهم الشهداء صلاح شحادة، المهندس إسماعيل أبو شنب، د. إبراهيم المقادمة، د. عبد العزيز الرنتيسي، والشيخ سعيد صيام، والقائد المؤسس الشهيد الشيخ أحمد ياسين، والشهيد رئيس أركان كتائب القسام أحمد الجعبري وعشرات من خيرة كوادر الحركة المجاهدة وفصائل المقاومة الأخرى.
وفي هذا الاغتيال، أشارت مصادر أمنية تونسية مُطَّلِعة إلى أن الشهيد الزواري تلقى في السنوات الأخيرة سلسلة اتصالات تُهدد باغتياله على خلفية علاقة أقامها مع " حركة المقاومة الإسلامية – حماس " حين كان يقيم ويدرس في سوريا منذ عدة سنوات!
وكان لافتاً إعلان المُدير العام للأمن الوطني التونسي عبد الرحمن بلحاج عن استقالته من منصبه، وبحسب بيان مُقتضب لوزارة الداخلية التونسية فإن بلحاج " قدَّم استقالته لأِسباب شخصية!! ". ولكن " الموقع الإخباري التونسي" قال: " إن الاستقالة جاءت عَقب اجتماع عاصف جمع وزير الداخلية الهادي مجدوب بمدير عام الأمن الوطني عبد الرحمن بلحاج ".
من جهتها طالبت " حركة النهضة " صاحبة الأكثرية في البرلمان التونسي السلطات في البلاد بكشف مُنفِّذي اغتيال الزواري. وقالت " الحركة " في بيانها، أن " عملية الاغتيال التي ذهب ضحيتها المهندس الطيار والمُخترع الزواري تُهَدِّدُ أمن التونسيين وتُهَدِّدُ استقرار تونس "، وقد دَعَت الجهات الأمنية المعنية إلى الكشف عن مُلابسات العملية وعن الجُناةِ والجِهة التي تَقفُ وراءَهم!! وصَرَّحَ مُتحدِّث باسم النيابة العامة أن جُثة الزواري أُصيبت بثماني رصاصات من جُملةِ أكثر من عشرين رصاصة أُطلقت عليه وقد استقرت 3 رصاصات في رأسه بما يُشير إلى احتراف المهاجمين. كما أعْلَنَت وزارة الداخلية التونسية أنها أوقفت خمسة أشخاص يُشتبه في تورطهم في جريمة القتل في كل من منطقة العين في ولاية صفاقس وجِربة في الجنوب وتونس العاصمة في شمال شرق البلاد إلى جانب حجز أربع سيارات بالإضافة إلى هواتف وأغراض أخرى ومسدسين وكاتِمَيّ صوت استُعمِلت في تنفيذ الجريمة.
لقد أثارت هذه العملية ردود فعل حادَّة في طول البلاد وعرضها، ولم تَستبعد عديد المصادر أن يكون لذلك ارتداداته وآثارهُ العميقة على من يَتولون الآن سِدَّةَ الرئاسة، خاصة وأن عمليات الاغتيال السابقة تمت في ذات السياقات والشخوص التي أدارت في حينه الأجهزة الأمنية قبل قيام ثورة الشعب التونسي قبل خمسة أعوام وهي التي تعود اليوم إلى سِدَّةَ الحُكم!!
وتُضيف مصادر عِدّة بأن الشهيد كان يعمل مديراً فنياً بشركة هندسية وهو طيّارٌ سابق في شركة الخطوط الجويّة التونسية وقد غادَر تونس إلى ليبيا عام 1991 ميلادية بعد أن ضَيَّقَ الخناق عليه نظام المخلوع بن علي ثم سافر إلى السودان وقد استقر لفترة في سوريا حيث كان يتنقل بين دمشق وتركيا ولبنان.
وقال الإعلامي التونسي " برهان بسيس " إنه يتهم الموساد الصهيوني باغتياله، خاصة وأن الشهيد كان على علاقة وثيقة مع " حركة حماس " وجناحها العسكري " كتائب الشهيد عز الدين القسام " التي استفادت من مهاراته العلمية الفائقة ونُبوغِهِ في صناعة طائرات بدون طيار. من ناحيته قال " أورن هيلر "، مُعَلِّق الشؤون العسكرية في القناة العاشرة لدولة الاحتلال والمعروف بعلاقَتهِ الوثيقة جداً بالأجهزة الاستخبارية الصهيونية، إن الزواري معروف بعلاقته " بحماس " وأنه عضو في ذراعها العسكري منذ 10 سنوات، وأنه تواجد في معسكرات للحركة في لبنان وأنه يساعدها في مجال إنتاج الطائرات بدون طيّار التي حملت اسم " أبابيل "، وأن الطائرات التي استخدمتها " الحركة " لأول مَرّة في معارك تموز 2014 كانت من تصميمه. وأشار " هيلر " أيضاً، إلى أن خطورة الزواري لا تَتَمثَّل فقط في الأفعال التي قام بها في الماضي، بل في الأفعال التي يمكن أن يفعلها في المستقبل، خاصة وأن حماس تعمل على مدار الساعة لإنتاج طائرات بدون طيار تحمل عبوات شديدة الانفجار وتدميرية قادرة على ضرب أهداف في العمق بأقل قدر من المخاطرة على مقاتلي الحركة ولإحداث توازن في وسائلها القتالية المتعددة براً وبحراً وجواً واستخدامها بأقصى الكفاءات المُتاحة.
القائد التونسي ورئيس " حركة النهضة " وصف هذه الجريمة الجبانة بأنها " عملية إرهابية تقف وراءها قوى شيطانية دولية " خاصة وأنها تمت مُباشرة في اليوم الرابع لعودته إلى وطَنِهِ تونس!
وقد فاجأ الجناح العسكري " كتائب الشهيد عز الدين القسام " لحركة حماس الجميع، حين أعلن نبأ استشهاد القائد المهندس محمد الزواري الذي التحق بالكتائب منذ عقدٍ من الزمان تعبيراً عن تلاحم الشعبين التونسي والفلسطيني في النضال المُشترك لتحرير فلسطين قضية العرب، والمسلمين الأولى.
ووعدت " القسام " وهي تزُفُّ نبأ استشهاد هذا المجاهد الكبير أن دماءه لن تذهب هدراً، وهي التي إن وعدت وَفَتْ بعهدها.
يقولون.. الحرب سِجال، وهي مفتوحة بين قوى الظلام الظالمة والشعوب التوّاقة للحرية والاستقلال والكرامة، إنها حرب إرادات، وقد أثبت التاريخ دوماً أن انتصار قوى الخير مؤكد وقريب.