لم تتوقف المشاريع المطروحة لتوطين الفلسطينيين في الأماكن التي لجؤوا إليها. وقد راوحت أعداد هذه المشاريع بين أربعين وخمسين مشروعًا، بعضها استمر الجدل قائمًا بشأنه بعض الوقت، وبعضها الآخر ولد ومات ولا يكاد أحد يلتفت إليه. فعلى سبيل المثال، خطة مستشار وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط ماك جي في عام 1949م، التي تعدّ من أقدم المشاريع لتوطين الفلسطينيين في أماكن تواجدهم، وهي الخطة التي طرحتها الولايات المتحدة الأمريكية من خلال لجنة التوفيق الدولية (التي تأسست بموجب قرار الجمعية العامة رقم 194؛ لتوفير الحماية للاجئين الفلسطينيين، وتألفت من مندوبي الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا)، وقد استندت هذه الخطة على إنشاء وكالة تتكون من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، تهتم بتقديم المساعدات الكفيلة بإنشاء مشاريع تنموية لاحتواء اللاجئين في الدول التي يمكنها القيام بذلك. وفيما يتعلق بمساحة الأرض، بالإشارة إلى شبه جزيرة سيناء (وهي منطقة صحراوية خالية من البشر وتصلح لإنشاء كيان فلسطيني كبديل عن فلسطين التاريخية)، وفي الوقت الذي أعلنت فيه الولايات المتحدة استعدادها لتحمل التكلفة المالية، اشترطت دولة الكيان الصهيوني في المقابل اعترافًا كاملًا بها من جهة، وإعادة توطين مائة ألف لاجئ حيث يتوافق ومصالحها من جهة أخرى، لتنتهي خطة ماك جي بالفشل.
أما المخطط الأخطر على الإطلاق فقد تمثل في وثيقة مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق اللواء احتياط جيورا إيلاند في 2010م، وقد طرح فيها أن مملكة الأردن هي دولة الفلسطينيين، وبوضعها الجديد ستكون من ثلاثة أقاليم تضم الضفتين الغربية والشرقية وغزة الكبرى التي تأخذ جزءاً من مصر. وقال إيلاند إن (إسرائيل) نجحت بجهود سرية في إقناع الولايات المتحدة الأميركية بالضغط على العرب؛ للاشتراك في حل إقليمي للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يقوم على استمرار سيطرة (إسرائيل) على مساحات ضخمة من الضفة الغربية، مقابل تعويض الفلسطينيين بمساحات ضخمة من شبه جزيرة سيناء، لإنشاء دولة فلسطينية مستقرة وقادرة على النمو والمنافسة.
والخطير في مخطط "إيلاند" هو أن عملية الانسحاب من غزة عام 2005م كانت الخطوة الأولى في هذا الاتجاه، وهو ما رفضته مصر ولا تزال؛ لأنها تعرف وتدرك مدى خطورة المخططات الإسرائيلية على أمن مصر القومي، ولقد بُنيَ الاقتراح الإسرائيلي على الآتي:
أولا: تنقل مصر إلى غزة مناطق مساحتها نحو 720 كيلومتر، وتشمل هذه المنطقة جزءاً من الشريط المبني الممتد على طول 24 كيلومتر على طول شاطئ البحر المتوسط من رفح غرباً حتى العريش، بالإضافة إلى شريط يقع غرب كرم أبو سالم جنوباً، ويمتد على طول الحدود بين (إسرائيل) ومصر، وتؤدي هذه الزيادة إلى مضاعفة مساحة قطاع غزة البالغ حالياً 365 كيلومتر نحو ثلاث مرات.
ثانيا: توازي مساحة 720 كيلومتر حوالي 12% من أراضي الضفة الغربية- ومقابل هذه الزيادة على أراضي غزة، يتنازل الفلسطينيون عن 12% من أراضي الضفة التي ستضمها (إسرائيل) إليها.
رفض الفلسطينيون والمصريون على مر تجارب الحكم هذا المخطط، وإن كانت الضغوط مستمرة لتنفيذه من قبل أميركا و(إسرائيل) والاتحاد الأوروبي وبعض الدول الإقليمية ذات العلاقة الإستراتيجية والعسكرية مع دولة الاحتلال الإسرائيلية، واليوم يتجدد الحديث إسرائيلياً، ضمن شروط "صفقة القرن" المزعومة، وبعد توصل مصر إلى اتفاق مصالحة من الفصائل الفلسطينية، وتلويح بعض مسؤوليها بإمكانية أن يلعبوا دور الوسيط بين دولة الاحتلال الإسرائيلي والفلسطينيين.
لكن ما يقف عقبة أمام تلك المخططات الإسرائيلية القديمة "المتجددة" هو الشعب الفلسطيني اليقظ، والذي يرفض حلولًا كهذه ولا يستبدل وطنه بوطنٍ آخر، ونحسب شعباً دفع من دمه وأرواح أبنائه مئات الآلاف عبر مائة عام من التضحيات والصراعات الدامية، لا يمكنه أن يقبل عن أرضه بديلاً، وهو وحده القادر على كنس كل تلك المخططات الصهيونية، مهما تزينت تحت أي مسميات أو إغراءات، وقوبلت بالرفض كليًا فلسطينياً ومصرياً وأردنيًا، وينبغي على الشعب الفلسطيني أن يظل يقظاً خلال الأيام القادمة؛ لأن المؤامرة على فلسطين كبيرة وخطيرة.
إن حديث قادة الاحتلال عن الوطن البديل بالكيفية التي يطرحونها يأتي بضوء أخضر وتنسيق مع الإدارة الأمريكية، ويبدو أن هناك مخططًا عمليًا لتنفيذ هذا المشروع، قد يلقى حيزًا كبيرًا، في ما يطلق عليه "صفقة القرن"، لكن الغالب على كل هذه المشاريع، وعلى مدار السبعين عامًا الماضية هو الفشل، فلا هي نجحت في توطين هؤلاء اللاجئين، ولا هي أنستهم حق العودة إلى ديارهم، كما بات واضحًا أن فكرة الوطن البديل خلقتها (إسرائيل)؛ لإثارة الفتنة بين الأردنيين والمصريين ضد الفلسطينيين. الفلسطينيون لم ولن يتنازلوا عن فلسطين، ويرفضون الوطن البديل رفضا باتًا، ومن الخطأ اتهام الفلسطينيين بأنهم يؤيدون الوطن البديل، لأن عدوهم الإسرائيلي هو الذي يريد ذلك. الأردنيون والمصريون والفلسطينيون في خندق واحد ضد هذا المشروع (الإسرائيلي)، ولا يوجد فلسطيني يوافق على التنازل عن وطنه، ويبحث عن أوطان بديلة غير فلسطين، مع إيماننا بالوطن العربي الكبير كجغرافيا لكل العرب، إلا أن وجود كيانات سياسية بات أمًرا مفروضًا على العرب بانتماءاتهم القطرية ومن الصعب تجاهلها، مما يتطلب أن يتوحد الجميع في محاربة هذا المشروع المشبوه حتى لا نقع جميعًا في شرك مخطط الوطن البديل الهادف إلى تهجير كل الشعب الفلسطيني من وطنه، ليتم تهويد فلسطين التاريخية.