يتمترسن على بوابات القبة الذهبية، وفي أروقة المسجد الأقصى، ينظمن دخول النساء، وينشرن الوعي والمعلومات الصحيحة المتعلقة بمحتويات الحرم القدسي، وكل واحدة منهن تأخذ على عاتقها حماية المكان الذي كبرت فيه وعلى حبه.
إنهن حارسات المسجد الأقصى، البالغ عددهم 14 سيدة، يتوزعن في مصلياته، وبخاصة، مسجد قبة الصخرة، ذو القبة الذهبية، والمصلى القِبْلي، والمسجد المرواني، والمصلى القديم، في مناوبات صباحية ومسائية، تبدأ من الثامنة صباحاً وحتى السابعة مساءً.
وتتبع الحارسات لدائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، والتي تتبع بدورها لوزارة الأوقاف الأردنية.
على "باب الجنة"، أحد أبواب مسجد قبة الصخرة المشرفة، تقف الحارسة "ماجدة الجندي".
وتقول الجندي :" أعشق هذا المكان، هناك رباط روحي وثيق بيننا وبينه، وهذا ما دفعني لأن أكون حارسة له".
وتضيف:" مجرد الصلاة فيه تكسبني الراحة النفسية، فكيف سأشعر عندما أُجنّد لخدمته؟".
وتردف بالقول:" من يستطيع الوصول للمسجد الأقصى والصلاة فيه يشعر وكأنه دخل قطعة من الجنة، ومن يحرس هذا المكان ويملك مفاتيحه ويكرّس وقته لحمايته فهو حارس لهذه الجنة".
أما زينات أبو صبيح، رئيس شعبة حارسات المسجد الأقصى، فتشير إلى أنها "ترعرعت في باحات الأقصى منذ الصغر، وكبر حبها له معها، وكثر تواجدها فيه، حتى رزقت بالعمل لخدمته ومساعدة لروّاده".
وتضيف أبو صبيح :" كبرت هنا في الساحات وتحت قبابه المباركة، عشقي لهذا المكان يمتد منذ أكثر من 25 عاماً، فهو بالنسبة لي عشق الروح ونبض القلب، وهو المكان الذي أشعر به بالصفاء الداخلي".
وتقول:" شعوري اتجاه هذا المكان المقدس أصبح أقوى عندما عملت ضمن شعبة الحراسة، فهذه أمانة كبيرة جداً، نتمنى أن نكون على قدرها".
وعن طبيعة عمل الحارسات، تقول أبو صبيح:" يتضمن عملنا حماية أبواب قبة الصخرة المشرفة، وحفظ النظام والأمن، ومنع السرقات والتسول، والعمل على تصحيح بعض السلوكيات الخاطئة وتنظيم صفوف النساء، ورفع مستوى التوعية عند المسلمين الزائرين".
ومنذ ثلاثة أعوام فقط، تم استحداث قسم حارسات المسجد الأقصى، وانتسبت إليه النساء المقدسيات من مختلف الأعمار، رغبة في "الحصول على الأجر من الله تعالى، وأجر الرباط في الأقصى المبارك"، بحسب أبو صبيح.
وتشير إلى أنه يتم اختيار الحارسات بعد خضوعهن لمقابلات من أجل تقييم قدرتهن على التعامل مع كافة النساء من الأجناس والأعمار.
كما يتم تقييم مستوى معلوماتهن في الدين الإسلامي، إضافة لإلحاقهن بدورات للإسعاف الأولي.
أما في شهر رمضان، فيتزايد عدد العاملات في شعبة الحراسة، حيث يتم استقدام حارسات للعمل خلال الشهر فقط، وتكون الاستعدادات على قدم وساق، ويتوزع عملهن على ثلاثة أوقات، صباحي ومسائي وليلي.
ويتركز عمل الحارسات وتتكاثف جهودهن خلال شهر رمضان، في قبة الصخرة المشرفة، حيث تكون مخصصة للنساء.
وتواجه الحارسات تضييقاً وتقييداً لحركتهن وتنقلهن داخل المسجد الأقصى، حالهن كحال الحراس الرجال، لا سيما خلال اقتحامه من قبل المستوطنين وقوات الاحتلال الإسرائيلي، عدا عن تعرض بعضهن للضرب والتدافع خلال المناوشات التي تحدث خلال محاولة المصلين التصدي لتلك الاقتحامات.
وتتطرق أبو صبيح، إلى الأحداث التي شهدها المسجد الأقصى في يوليو/تموز الماضي.
وبدأت الأزمة إثر تركيب شرطة الاحتلال لبوابات فحص الكترونية، في أعقاب عملية فدائية نفذها يوم 14 يوليو/تموز الماضي، ثلاثة من فلسطينيي الـ48م ، وأسفر عن استشهادهم بالإضافة إلى شرطييْن إسرائيليين.
ورفض سكان القدس دخول المسجد الأقصى من تلك البوابات، ونفذوا اعتصاماً على بواباته، استمر حتى يوم 27 يوليو/تموز، حيث أزالت دولة الاحتلال جميع التدابير الأمنية التي وضعتها.
وتقول بكلمات تخنقها الدموع:" في صبيحة يوم الجمعة الموافق 14 من شهر تموز (يوليو)... شعرت أننا فقدنا المسجد الأقصى... شعرت بالقهر والحزن" .
وتضيف:" على الرغم من شعورنا بالقهر، لكننا وعلى مدار أسبوعين متتاليين من إغلاق المسجد المبارك لم نستسلم، ولم نتوقف عن الاعتكاف والاعتصام على أبوابه وحرسناه من الخارج رغماً عن الاحتلال المغتصب" .
وبالعودة إلى ماجدة الجندي، فتضيف على ما ذكرته أبو صبيح:" لقد دخلناه مهللين مكبرين حمداً لله".
وتضيف:" اعتصامنا اليومي، في ذلك الوقت الذي استمر من صلاة الظهر حتى العشاء، كان مشرفاً لكل مسلم وعربي ومقدسي، وبعون الله تعالى استطعنا الصلاة فيه وحراسة أبوابه مجدداً".
وتقول الحارسات إنهن يحرصن على مواصلة عملهن وحماية المسجد، بدافع "نيل شرف الرباط في الأقصى والتواجد فيه، في وقت عز فيه تواجد المسلمين فيه".
وتقول "جمانة غوشة" التي تعمل حارسة في مسجد قبة الصخرة المشرفة، إن عملها في المسجد الأقصى هو "اصطفاء من الله تعالى".
وتضيف:" لا يمكنني أن أصف شعوري أثناء خدمتي لهذا المكان المقدس، ولا يمكنني أن استبدله بأي عمل آخر".