منذ أكثر من ثلاثة عقود، ومصطلح "الوطن البديل"، يجري تداوله في الأوساط الشعبية والإعلامية، وحتى السياسية، دون أن نفهم بشكل واضح ماذا يُقصد به؟ وهل هو خطر حقيقي، أم مجرد أوهام سياسية؟ وإذا كان تهديدًا جديًا، فعلى من يشكل الخطر الأساس؟! وما مدى خطورته؟ وهل هناك أوطان بديلة أخرى يجري الحديث عنها في كواليس السياسة الدولية، غير ما طرح في السابق ويطرح الآن على الشعب الفلسطيني المحتل لتهجيره مرة تلو المرة من وطنه فلسطين؟
فمن جديد يعود طرح الوطن البديل، تلك هي الأسطوانة المشروخة لمسؤولين لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلي، الذين يطالبون بين الفينة والأخرى بإحياء مشروع إعادة توطين الفلسطينيين في شبه جزيرة سيناء المصرية والأردن، ومن المؤكد أن فكرة "الوطن البديل للفلسطينيين وهو عبارة عن "ترانسفير" جديد، ينسجم كليًا مع مجمل الرؤى بـ(إسرائيل) التي تستثني حل الدولتين، وأيضا يتناغم مع موقف الإدارة الأميركية الجديدة التي ألمحت إلى أن إحلال (السلام) بالشرق الأوسط ممكن، حتى وإن لم يتضمن إقامة دولة فلسطينية، فهذه وزيرة المساواة الاجتماعية الإسرائيلية جيلا جملئيل، التي قالت في مؤتمر نسائي تابع للأمم المتحدة المنعقد في القاهرة: "إن سيناء هي أفضل مكان لقيام دولة فلسطينية". كما عبر عن هذا الطرح سابقًا الوزير الإسرائيلي بلا حقيبة أيوب قرا، في تغريدة له على حسابه على "تويتر"، قال فيها: "إن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو اتفق مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب على إقامة دولة فلسطينية في غزة وسيناء كبديل عن حل الدولتين".
لم يكن هذا المخطط الإسرائيلي الكارثي لتوطين الفلسطينيين في سيناء وليد هذه اللحظة، بل إن هذا المخطط الخطير له تاريخ طويل منذ الخمسينيات وحتى اليوم، ووفقاً للوثائق المتاحة فإن هذا المخطط بدأ منذ عام 1953م، وتم توثيق هذا المخطط بأكمله في كتاب اسمه "خنجر إسرائيل"، والكتاب عبارة عن تصريحات لموشيه ديان وزير الحرب الإسرائيلي وقتها يكشف فيها عن خطته لتقسيم العرب واحتلالهم، استكمالًا لاتفاقية "سايكس بيكو" من عام 1916م، وقام اليهودي الأمريكي برنارد لويس بنشرها في المجلة الدورية لوزارة الدفاع الأميركية عام 2003م شمل ذلك خرائط تقسيم الدول العربية.
كما حاولت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" هي الأخرى تمرير الخديعة على مصر والفلسطينيين تحت ادعاءات إنسانية، بنقل اللاجئين الفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء، وإنشاء مخيمات إيواء، وتقديم المساعدات الإغاثية لهم. في البداية وافقت الحكومة المصرية على مشروع توطين قسم من لاجئي قطاع غزة في سيناء، في الفترة بين 1951- 1953م، وعقدت اتفاقًا مع الوكالة يمنحها إمكانية إجراء اختبارات على 250 ألف فدان يُقام عليها عدد من المشاريع، وقد واجهت الحكومة المصرية مقاومة شعبية للمشروع، لتصدر بيانًا سنة 1953م تتراجع من خلاله عن موضوع التوطين، واعتبرت المشروع غير ذي جدوى، ويعتبر هذا المشروع من أهم المشاريع التي قدمت لتوطين اللاجئين الفلسطينيين من مدخل اقتصادي.
وفي عام 1967م قام أرئيل شارون قائد قوات الاحتلال الإسرائيلية في قطاع غزة آنذاك بتقديم مشروعه الذي هو نسخة محدثة عن المشروع السابق، وكان مبرره أن المشروع لا يهدف سوى لتخفيف الكثافة السكانية في قطاع غزة المزدحم، لكنّه أَلحَقَ بتقديم المشروع تحركًا عمليًا منه على طريقته الخاصة، بشق شوارع في المخيمات الرئيسة في قطاع غزة لتسهيل مرور القوات إلى المخيمات، ما أدى إلى هدم الآلاف من المنازل ونقل أصحابها بالقوة إلى مخيم كندا داخل الأراضي المصرية، وبعد توقيع اتفاقية السلام مع مصر رفضت (إسرائيل) عودة هؤلاء إلى الأراضي الفلسطينية، ليصبح مشروع أرئيل شارون حتى اللحظة هو المشروع الإسرائيلي الأكثر نجاحاً، والذى أسس للمشاريع اللاحقة.
كل هذه المخططات والمشاريع التي تحاك ضد صمود الفلسطينيين منذ مائة عام، وتعرضهم للقتل والتعذيب والطرد من أرضهم، لم تدفع الفلسطينيين للتخلي عن وطنهم على حساب وطن غيره، ومن تابع ردود فعل الفلسطينيين في داخل فلسطين التاريخية أو في الشتات والمخيمات، يتأكد من تمسكهم بوطنهم مهما مرت السنون، ولن يقبلوا عن فلسطين بديلًا -الصغير قبل الكبير-.
إن مشروع الوطن البديل يعني عمليًا تهويد فلسطين التاريخية وتصفية القضية الفلسطينية عن بكرة أبيها، وبذلك يتحقق حلم نتنياهو الذي يطمح بدولة يهودية خالية من الجنس العربي، وبدلًا من حل قضية اللاجئين الذين ينتظرون لحظة الاعتراف بحق عودتهم إلى بلدهم فلسطين، تُرفَق إليهم أعدادٌ جديدة من اللاجئين الفلسطينيين، بل تهجير الشعب الفلسطيني بأكمله وتفريغ فلسطين؛ لجلب مزيد من اليهود وتوطينهم فيها.. وهو ما لم يقبله الفلسطينيون قبل ذلك، ولن يقبلوه في أي وقت كان.