خمسة آلاف مسودة وثلاثة آلاف إفادة جمعتها المحكمة الجنائية الدولية كما تقول من إفادات ركاب سفينة "مرمرة" التي تعرضت لهجوم دامٍ إسرائيلي في عرض البحر الأبيض المتوسط نهاية مايو/ أيار عام 2010م، راح ضحيته عشرة مواطنين أتراك، لتطوى القضية بعدم محاكمة (تل أبيب) وإسقاط الدعوى المرفوعة ضدها.
قضية "مرمرة" تثبت عكس ما تروج له المحكمة الجنائية الدولية بأنها تبحث عن الحقيقة، بل ثبت أن العدالة الدولية ذات معايير مختلفة وتخضع للضغوط السياسية، وأن قراراتها مسيسة تخدم الأنظمة الدولية المسيطرة وليست الشعوب التي تبحث عن تقرير مصيرها، مما يفقد المحكمة مصداقيتها. بحسب خبراء تحدثوا لصحيفة "فلسطين".
وقررت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، أول من أمس، عدم محاكمة الاحتلال الإسرائيلي على الهجوم المسلح الذي نفذه ضد "أسطول الحرية" في مايو/أيار 2010، والذي كان يحمل مساعدات إغاثية إلى قطاع غزة المحاصر.
فاقدة المصداقية
الكاتب والمحلل السياسي التركي مصطفى أوزجان يعتبر أن قرار محكمة لاهاي بإسقاط الدعوى ضد الاحتلال يفقدها مصداقيتها، باعتبار أن المحكمة يفترض أن تكون محايدة فالقضية قانونية وإنسانية وليست سياسية فقط.
وقال أوزجان لصحيفة "فلسطين": "إن عدول المحكمة عن موقفها السابق لحظة فتح القضية التي أكدت فيه وجود أسس معقولة للاعتقاد بأن جرائم حرب قد ارتكبت من جيش الاحتلال، محاولة لطي القضية لأن المدان هنا هو (إسرائيل)".
وتابع أن "المطلوب تحقيق العدالة من قبل المحكمة، لأن الاحتلال أجرم ليس بحق عشرة ضحايا أتراك، بل له سجلات من الإجرام والاعتداء لا بد أن يحاكم ويعاقب عليها، مشيرا إلى أن المحكمة اختارت توقيت القرار في وقت يعيش فيه الرأي العام التركي حالة انشغال بمشاكل متعددة داخلية وخارجية، لعدم حدوث أي تفاعل مع القرار.
وربط أزوجان بين القرار والاتفاق التركي الإسرائيلي لعودة العلاقات بين الطرفين أواخر يونيو/ حزيران 2016م، مستبعدا أن يحدث تفاعل تركي رسمي مع القضية، نظرا لحدوث تفاهمات مع (تل أبيب) نتج عنها تعويض الضحايا الاتراك.
ولم يستبعد وجود تأثيرات وضغوط سياسية متأثرة باللوبي الصهيوني، على قرار المحكمة في ظل الدعم الكبير الذي يحظى به الاحتلال في المحاكم الدولية، مستدركا: "كان على المحكمة أن تكون موضوعية ولا تقع تحت التأثيرات السياسية الخارجية التي للاحتلال اليد الطولى فيها".
قرار مسيس
"أبعاد القرار سياسية، لأنه منذ منح مجلس الأمن الدولي -باعتباره هيئة سياسية- صلاحية تجميد أو رفع أي شكوى والمحكمة مسيسة"، بهذا علق ممثل اتحاد الحقوقيين العرب في الأمم المتحدة من جنيف إلياس خوري على قرار إسقاط الدعوى المقدمة ضد الاحتلال في قضية السفينة التركية "مرمرة".
ويعتبر خوري في حديثه لصحيفة "فلسطين" قرار المحكمة انتهاكا للقانون الدولي الإنساني، باعتبار أن ما حدث هو عدوان إسرائيلي على مدنيين حاولوا إيصال مساعدات انسانية لقطاع غزة عبر البحر، وجرى استعمال العنف والقتل بحقهم من قبل الاحتلال".
وأضاف أن القرار يخالف ضمير القاضي الذي يحقق ويحكم، مشيرا إلى أن الاحتلال منذ نشأته يعتبر نفسه فوق القوانين والأعراف الدولية، وهو اليوم يسعى لأن يكون عضوا في مجلس الأمن المعني بتحقيق الأمن والسلم الدوليين.
ولم تنشأ المحكمة الجنائية الدولية من وجهة نظر خوري لإنصاف الشعوب التي تسعى للتحرر وتقرير مصيرها، وإنما جعلت أداة بيد القوى الدولية والصهيونية، مبينا أنه من الطبيعي أن يصدر هكذا قرار في ظل ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يعتبر (إسرائيل) أهم من أي ولاية أمريكية.
وحول مصير انضمام "دولة فلسطين" للمحكمة، أوضح أن المحكمة مسيسة بهدف خدمة أجندة دولية، لذلك لن تكون أي قيمة لمطالب الانضمام الهادفة لإنصاف الشعوب ضد المجرمين.
يفتقد للحجج القانونية
قرار المحكمة يعتبره الخبير في الشأن السياسي الأوروبي سامر أبو العنين من جنيف سياسيا بامتياز، يفتقد للحجج القانونية، مما يضع المحكمة في موقف حرج بأنها تكيل بمكيالين، ولا تستطيع الانتصار للضحايا لأن الخصم والمدعى عليه هو (إسرائيل).
وقال أبو العنين لصحيفة "فلسطين": "إن القرار يفقد المحكمة مصداقيتها بالقطع، ولا بد هنا من دور لخبراء حقوق الإنسان بمطالبة المحكمة بإعادة النظر بالقرار، بالحجج القانونية الدامغة التي توضح للرأي العام الأوروبي، حقيقة الاعتداء واغتيال المدنيين وأنه يجب معاقبة المجرمين".
وتوقيت القرار، كما تابع، له علاقة بتطورات ما يجري بالشرق الأوسط، فلم يعد هناك اهتمام بجرائم الاحتلال في ظل الصراعات الإقليمية، مما يمهد لما يتم الترويج له تدريجيا من "صفقة القرن"، مشيرا إلى ضغوط سياسية على المحكمة حتى لا تدان (إسرائيل).
أبو العنين، رأى كذلك أن "إسقاط دعوى حادثة مرمرة" محاولة لتحسين صورة (إسرائيل) أمام الرأي العام الدولي، متابعًا: "قضية مرمرة تثبت عكس ما تروج له المحكمة بأنها تبحث عن الحقيقة، بل إن العدالة الدولية ذات معايير مختلفة وتخضع للضغوط السياسية، إذ إن هناك دولا يمكن أن تستفيد من هكذا قرارات للضغط على المحكمة لتجنب محاكمتها".