بعد أن خطفت الحرب قدميه، قرر العشريني "خليل الجديلي" أن يتحدى الواقع ممسكًا بخاصرة التحدي في عرض البحر، تاركًا أقدامًا صناعية على حافة الموج، دون اللجوء إليهما، متحديًا عنجهية القذيفة التي مزقت أطرافه السفلى وجسد شقيقه، بابتسامةٍ وعمل.
خلال رحلات علاجه، توجه إلى مشفى لتركيب الأطراف الصناعية في الإمارات العربية المتحدة عام 2010 مع جمعية إغاثة أطفال فلسطين، وهناك عرض عليه أحدهم تجربة الغطس، فوافق بعد تردد، وبعدما جرّب الأمر، أدمته، ولم يترك الغوص حتى بعد عودته إلى مخيم البريج وسط قطاع غزّة، رغم افتقاره للكثير من المعدّات.
يقول الجديلي في حديث لـ"فلسطين": "درست بكالوريوس إدارة أعمال من الجامعة الإسلامية في غزّة، وأنا بهذه الإصابة، حيث تعرّضت لها وأنا في السادسة عشرة من عمري، في الحرب الأولى، حين سقطت بقذيفة إسرائيلية على منزلنا، أدت إلى استشهاد شقيقي مهند، وإصابتي إصابة خطيرة، مع شقيقٍ آخر".
ويضيف عن أول تجربة غوص: "عرض عليّ أحد الموجودين في المستشفى ذلك، فترددت بسبب عدم وجود علاقة بيني وبين الماء، لكنني جربت، إذ أعجبتني الفكرة، بعد أن ارتديت ملابس الغوص الكاملة، ومجرد أن مارست السباحة تملكني شعور لم أجربه من قبل، ولجمال هذا الشعور، فقد أنساني إصابتي، وأنا تحت الماء رأيت عجائب خلق الله في البحر".
ويتابع: "عدت إلى غزة، بعد أن أصبحت أدرك كافة التفاصيل المتعلقة بالغطس، وأستطيع التحكم في أدوات الغوص، بعد عودتي أكملت دراستي، ولكن في الوقت ذاته كنت أزور نادي الصداقة في مخيم الشاطئ لممارسة الرياضة، لكن المعدات هنا غير متوفرة، والأماكن أيضًا، ليست متخصصة، أتمنى أن أحصل على المعدات اللازمة، وأن أفتح ناديًا لذوي الإعاقة لتدريبهم على الغوص".
"تعلمتها خلال شهر، ممتعة جدًا" كان هذا وصفة للسباحة، لكن عدم الاستمرار في ممارسة هذه الرياضة يعني أن ينسى الفرد ما تعلّمه، وهذا ما يخشاه الجديلي، خاصة في ظل افتقار القطاع للمعدات اللازمة.
"عمري الآن خمسة وعشرين عامًا، متزوج، وأبٌ لطفل"، هكذا يتحدث ضيفنا عن نفسه، وكأنه يقول: "رغم العجز الذي حاول الاحتلال زرعه في قدمي، إلا أنني وقفت عليهما من جديد بأطرافٍ صناعية، خالعًا كل الإضافات على جسدي عند الغوص".