لو صارح الفلسطينيون بعضهم البعض، وتحدثوا مع أنفسهم بصدق، لأدركوا أن لا مصالحة فلسطينية مع استمرار التنسيق الأمني، هذه حقيقة يجب أن يعترف بها الجميع، لأن التنسيق الأمني والمصالحة الفلسطينية ضدان لا يجتمعان، إذ كيف تتعاون السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية مع المخابرات الإسرائيلية ضد المقاومة الفلسطينية، لتتعاون السلطة الفلسطينية بعد ذلك في غزة مع المقاومة الفلسطينية ضد المخابرات الإسرائيلية؟
خض المياه في محادثات القاهرة لم يعط حتى الآن إلا المياه الآسنة، إذ لم يرفع حصاراً، ولم يخفف عقوبات، وقد اصطدمت المصالحة بالرفض الإسرائيلي، وبشروط نتانياهو حين قال للسيد عباس، إما التعامل معي أنا (إسرائيل)، وإما التعامل مع حركة حماس، وعليك أن تختار! وقد حسم السيد عباس أمره منذ زمنٍ، واختار المفاوضات طريقاً وحيداً، واختار التنسيق الأمني المقدس ثابتاً، تتغير دونه كل الثوابت الوطنية.
تلك حقائق لا يتنكر لها إلا جاحد بالواقع، ولندقق بملف الحريات على سبيل المثال، إذ كيف يمكن لهذا الملف أن يتحرك، وأن يفتح في الضفة الغربية دون إغلاق الطريق في وجه اقتحامات الإسرائيليين للمدن والقرى والمخيمات، ودون توقف رجال المخابرات الإسرائيلية عن تقديم قوائم بأسماء المقاومين المطلوب اعتقالهم، ودون توقف التدخلات الإسرائيلية في المناهج الفلسطينية، ودون توقف الاعتداءات الإسرائيلية على حرية الإعلام، والفضائيات والصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية التي يعبر فيها الفلسطينيون عن مواقفهم وتطلعاتهم السياسية.
ما سبق من غطرسة إسرائيلية ميدانية يجب أن يشكل حافزاً للفلسطينيين لطلب المصالحة على وجه السرعة، فالمصالحة هي الرد العملي على التجبر الإسرائيلي بأموال الضرائب، والمصالحة الفلسطينية هي المقبرة التي يدفن فيها الصلف الإسرائيلي، فالمصالحة رجاء فلسطيني، لا سبيل إلى تحقيقه دون حراك تنظيمي وجماهيري يطالب قيادة السلطة الفلسطينية بتطبيق قرار المجلس المركزي الفلسطيني الصادر بتاريخ 6/3/2015، والقاضي بوقف التنسيق الأمني فوراً.
ليرتفع الصوت الفلسطيني عالياً، مطالباً بوقف التنسيق الأمني، وذلك كي تسند المصالحة الفلسطينية ظهرها على القرار السياسي الفلسطيني المستقل، والقائم على مواجهة الاحتلال، هذه المواجهة تستدعي كل أشكال المقاومة بما في ذلك سلاح المقاومة، سلاح المقاومة نفسه الذي يشكل الآن نقطة افتراق واختلاف، سيكون نقطة ارتكاز المصالحة ووئام التنظيمات.
قد يقول البعض: يا ويلنا، ستقطع الرواتب، وينفرط عقد السلطة مع توقف التحويلات المالية، وستقوم إسرائيل بالتضييق على سكان الضفة وحصارهم كما يحاصر سكان قطاع غزة؟
ونسي هذا البعض أن (إسرائيل) حريصة على الهدوء في الضفة الغربية حرصها على سلامة حياة المستوطنين، ونسوا أن (إسرائيل) تعمدت زيادة عدد العمال في (إسرائيل) في فترة انتفاضة القدس، حتى لا يتسع الغضب الشعبي، ونسوا أولئك أن (إسرائيل) معنية بحالة السكون القائمة حالياً، بعيداً عن الغضب الشعبي الفلسطيني الذي سيجر على (إسرائيل) اختلالاً أمنياً تخشاه، وحراكاً دولياً لا تتمناه، وضغطاً سياسياً، وتحولاً في مزاج الشارع العربي الذي استكان عن مواجهة دعاة التطبيع تجاوباً مع استكانة الضفة الغربية، التي أدمنت الجمود السياسي، وعشقت الانتظار.
وإذا كانت المصالحة الفلسطينية أمنية لكل فلسطيني يعشق الوطن، فإن الطريق السوي لنجاح المصالحة هو وقف التنسيق الأمني، التزاماً بقرار المجلس المركزي.