منظمة التحرير خط أحمر لن نسمح لأحد تخطيه لأنها الرئة التي يتنفس منا الشعب الفلسطيني وهي المظلة التي يستظل بها كل فلسطيني وهي العباءة التي تجمع كل الفصائل والأحزاب والتنظيمات الفلسطينية، فإذا كانت الإدارة الأميركية الحالية تريد ان تفرض عقوباتها وتظهر انحيازها للاحتلال قبل ان يطرح ترامب مبادرته المزعومة للسلام أو ما أطلق عليها "صفقة التاريخ"، فما بالنا بعد طرحها إن كان صادقا؟ والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا الآن؟! هل المقصود من قرار الادارة الامريكية بإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن رفع هذا الغطاء؛ بما ان منظمة التحرير هي الجهة الرسمية لتمثيل الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج , وهي المخولة باسمه عن الاتفاقيات والمعاهدات وكل ما يتعلق بمصيره.، أم أن هذه الإدارة تعمل على ممارسة الضغوط على الجانب الفلسطيني وابتزازه كي يرضخ لتلك الصفقة؟! التي كما يبدو من خلال ما سرب من بعض بنودها لوسائل الإعلام بأنها تنتقص الى حد كبير من حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية الثابتة وفي مقدمتها حق العودة للاجئين الفلسطينيين والقدس والاعتراف بيهودية (اسرائيل).
فالولايات المتحدة الامريكية، التي تنسب لنفسها لقب راعية السلام في الشرق الاوسط وتتوسط المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني الاسرائيلي التي مضى عليها اكثر من عشرين عاما دون فائدة، وفي الذكرى ال29 لإعلان استقلال فلسطين ترجع ادارة ترامب للوراء أربعين عاما بفرض صفقتها التي تسميها بالتاريخية وتتمثل في "حكم ذاتي" تم طرحه في اتفاقية "كامب ديفيد" من العام 1977م متجاهلة بذلك اتفاق اوسلو لعام 1993م وتبعاتها وخارطة الطريق والمبادرة العربية وتخطي القرارات الدولية القاضية بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني على ارضه وبلده فلسطين، لكن اليوم تثبت الإدارة الأمريكية بالدليل القاطع انحيازها لدولة الاحتلال، إقدامها على اغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية بعدم تجديد الترخيص له ستة شهور أخرى كالمعتاد، ترجعه لسببين تتحجج بهما ادارة ترامب الاول استئناف المفاوضات المباشرة وبدون شروط مع )إسرائيل( والسبب الثاني ان تتوقف السلطة عن ملاحقة مسؤولين إسرائيليين لمقاضاتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية.
اغلاق مكتب منظمة التحرير لم يكن الدليل الاول لانحياز الادارة الامريكية لـ(إسرائيل)، بل سبقته سلسلة عقوبات أمريكية على الشعب الفلسطيني تلبية لرغبات وسياسات (إسرائيل) بدعم من اللوبي اليهودي المتنفذ في دوائر القرار الامريكي، فقد خرجت مؤخراً لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي القوانين والأعراف الدولية واتفاق اوسلو، عندما صادقت على قانون قطع المساعدات المالية عن السلطة الفلسطينية، بحجة دفع مخصصات الأسرى والشهداء والجرحى الفلسطينيين إلى جانب مصادقتها على قانون فرض عقوبات على داعمي حركة حماس رغم أنها حركة فلسطينية تطالب بإنهاء الاحتلال مثلها مثل أي فصيل.
هذا التهديد والوعيد من إدارة ترامب يثبتان انحيازها التام لدولة الاحتلال وانها أسوأ من كل الإدارات الأميركية السابقة, وخاصة إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، فهذه الإدارة لم تعترف حتى الآن بحل الدولتين ولم تعترف بالحد الأدنى لحقوق الشعب الفلسطيني، وهذه الإدارة أيضا لم تحدد موقفا واضحا من الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة, والذي يقضي شيئاً فشيئاً على حل الدولتين المعترف به دوليا، إن لم نقل قد وأد حل الدولتين، في حين أن الإدارات الأميركية في السابق اعتبرت الاستيطان يعيق تحقيق السلام وفي كثير من الأحيان اعتبرته غير شرعي.
الشمس لا تغطى بغربال كما تريد إدارة الرئيس ترامب فلم يعد أحد يصدق المبررات الخداعة, بإغلاق الممثلية وتجميد المساعدات التي التزمت بها الولايات المتحدة للسلطة الفلسطينية, هي مسيسة تستخدمها كعقوبات لتنفيذ سياسات منحازة (لإسرائيل)، فادعاؤها ربط هذه العقوبات باستئناف المفاوضات لا يمت بشيء من الحقيقة, وإنما لأن الرئيس ترامب اعترف بنفسه ان حل الدولتين وهم, وما بني عليه طوال العشرين سنة من المفاوضات فهو باطل، فكيف بنا الرجوع اليها؟! إذًا السبب الثاني هو الأرجح المتعلق بالتهديد الأميركي من أجل منع السلطة الفلسطينية من رفع قضايا جرائم حرب ضد قادة إسرائيليين في محكمة الجنايات الدولية، خاصة وان مسؤولاً أميركيا اعتبر دعوة الرئيس عباس لمحكمة الجنايات الدولية للتحقيق في تصرفات (إسرائيل)، تجاوزاً للخطوط الحمراء.
كما ان هناك اسبابا اخرى تحاول الإدارة الأمريكية بهذه العقوبات ان تخلط الأوراق لإفشال ما تتمناه (اسرائيل) وهي المصالحة الفلسطينية وضرب الوحدة الوطنية لإبقاء الاحتلال والحصار ومواصلة التهويد والاستيطان واستجابة الدولة الفلسطينية، وتهيئة الأجواء لتحسين علاقة (إسرائيل) مع الدول العربية وانشاء علاقات متبادلة وصولا للتطبيع الكامل واستغلال بعض القضايا التوافقية هنا وهناك.
ان فرض العقوبات والتهديد الأميركي بإغلاق مكتب البعثة الفلسطينية في واشنطن في حال لجوء السلطة الفلسطينية لمحكمة الجنايات الدولية لمحاكمة الاحتلال على انتهاكاته وممارساته التي ترتقي إلى مستوى جرائم الحرب، يعطي الاحتلال الضوء الاخضر لمواصلة أهدافه ويؤكد من جديد أن الإدارة الأميركية الحالية ليست طرفا نزيها, ومنحازة كل الانحياز إلى دولة الاحتلال.
لذا على الإدارة الأميركية أن تعي جيداً أن منظمة التحرير ستبقى ممثل الشعب الفلسطيني حتى تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، وأي مساومة أو تنازل عن هذا الحد الأدنى مرفوض، وان أي مبادرة سلام لا تقوم على هذا الأساس، فإن مصيرها الفشل، وستبقى جذوة الصراع قائمة، الأمر الذي سيؤدي الى خلق حالة من عدم الاستقرار في المنطقة وانعكاس ذلك على العالم قاطبة، ما يهدد الأمن والسلم العالميين بكل ما تعني الكلمة من معنى.