إن تضامن دولة الكويت الشقيقة مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة لم يكن وليد هذه اللحظة، بل يمتد تاريخها إلى ما قبل النكبة عام 1949م، ففي عشرينيات القرن الماضي أخذت العلاقات بين الشعبين تضرب في العمق وارتبطت هذه العلاقة بالأواصر التاريخية آخذه بالاعتبار الروابط الدينية والقومية، فكانت الكويت دائمًا حاضرة بمواقفها التضامنية فلا ننسَ استقبالها مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني لدعم الشعب الفلسطيني في مواجهة الانتداب البريطاني وتواطئه مع العصابات الصهيونية ولا ننسَ ما قدمته وتقدمه الكويت من دعم مالي ومعنوي، ولا ننسَ لجنة أكتوبر التي شكلها الشباب الكويتي لجمع التبرعات لإعمار المسجد الأقصى في عام 1936م وموقفهم الرافض لتقسيم فلسطين، ولا ننسَ موقف الكويت الاصيل حين استقبلت اللاجئين الفلسطينيين مرورا برفض الاعتراف بالكيان الإسرائيلي وتمسكها بلآت الخرطوم الثلاثة: لا للاعتراف، لا للتطبيع، لا لإقامة علاقات سلمية مع (اسرائيل).
إن للكويت الشقيقة في الثورة الفلسطينية المعاصرة ليست محطة عابرة، ولم تكن رهينة حسابات وتكتيكات مرحلة بعينها، بل إن الذي صاغ ونظم ايقاعها عدد من المعطيات خاصة وان الكويت قد شكلت البيئة الاجتماعية والثقافية والسياسية والقومية التي شهدت مخاضات الثورة الفلسطينية المعاصرة وولادتها وظلت راعيةً ومتابعةً لهذه الولادة حتى اشتد عود الوليد وصار قوياً قادراً وصولاً إلى المرحلة المعاشة. الكويت هي أولوية عربية تسمح للفلسطينيين بإجراء انتخابات لاختيار اعضاء المجلس الوطني الفلسطيني الاول. وسمحت بفتح أول مقر لمنظمة التحرير على اراضيها، ومن أراضيها انطلقت شرارة الثورة الفلسطينية (حركة فتح) عام 1964م، وكانت الكويت ولا تزال حاضنة القضية الفلسطينية بمواقفها المشرفة في المحافل الدولية تدافع عن الشعب الفلسطيني اثناء الانتفاضات والثورات وتسيير قوافل المساعدات الإنسانية والاغاثية وتقديم الدعم للمؤسسات والجمعيات الخيرية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وكذلك للسلطة الفلسطينية منذ تأسيسها إلى هذا التاريخ.
فقد احتضنت الكويت الاثنين الماضي فعاليات المؤتمر الدولي حول معاناة الطفل الفلسطيني في ظل انتهاك (اسرائيل)، القوة القائمة بالاحتلال، لاتفاقية حقوق الطفل، والذي انعقد يومي 12 و13 نوفمبر 2017 تحت رعاية وبحضور صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت، وحضور الرئيس محمود عباس، ومعالي السيد أحمد أبو الغيط، أمين عام جامعة الدول العربية، ووزراء الشؤون الاجتماعية في الدول العربية، وممثلي وزارات الخارجية والمنظمات الاقليمية والدولية، والخبراء الدوليين المعنيين بحقوق الانسان، بما فيها حقوق الطفل.
وانتهى المشاركون إلى اصدار اعلان الكويت حول حماية وتعزيز حقوق الطفل الفلسطيني في ظل الانتهاكات الاسرائيلية وهو التأكيد على اهمية التزام إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، بانفاذ جميع الحقوق التي تكفلها اتفاقية حقوق الطفل والبروتوكولات الاختيارية الملحقة بها، واحترام الأحكام الواردة في اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 م، كما ادان الاعلان كافة أعمال العنف المرتكبة من قبل (إسرائيل)، القوة القائمة بالاحتلال، بحق الأطفال الفلسطينيين، بما فيها انتهاك حقهم في الحياة والبقاء والنماء، عبر قتل مئات الأطفال الفلسطينيين وإصابة الآلاف منهم نتيجة العمليات العسكرية التي تشنها على مناطق تتسم بكثافة سكانية عالية ويوجد فيها عدد كبير من الأطفال، والاعتقالات التعسفية كما ادان رفض (إسرائيل)، القوة القائمة بالاحتلال، الاعتراف بواجباتها ومسؤولياتها بتطبيق اتفاقيات حقوق الإنسان، بما فيها اتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، متسببة بانتهاكات جسيمة لحقوق الأطفال، وإفلات المسؤولين عن ارتكاب هذه الانتهاكات من العقاب، وهو ما أكدته محكمة العدل الدولية.
وخرج المؤتمر بعدة توصيات من بينها تكثيف جهودهم من أجل اتخاذ كافة التدابير وتعزيز الآليات اللازمة للدفاع عن حقوق أطفال فلسطين، وتضافر الجهود الدولية للعمل على عدم إفلات المسؤولين الاسرائيليين عن انتهاكات حقوق الطفل من العقاب، ومطالبة الدول الأطراف في اتفاقية حقوق الطفل، بتحمل المسؤولية لضمان التزام (إسرائيل) بحماية وتعزيز حقوق الطفل الفلسطيني دون أي تمييز، وفقاً لما تنص عليه الاتفاقية وبروتوكولاتها الاختيارية والعمل على حماية حقوق الأطفال الفلسطينيين من خلال حث الحكومات والبرلمانات والمنظمات الاقليمية والدولية وصناع القرار لضمان حماية وتعزيز حقوق الطفل الفلسطيني بما في ذلك ما جاء في الملاحظات الختامية للجنة الامم المتحدة لحقوق الطفل والعمل على إقامة تجمع دولي للدفاع عن حقوق أطفال فلسطين وبهدف وضع معاناتهم كأولوية على أجندة المجتمع الدولي.
كما كانت الساحة الكويتية دوما حاضنة دافئة للرموز الأوائل، ووفرت لهم العيش والعمل والانفتاح على العرب والعالم، ووفرت لهم كذلك حرية القرار والإبداع، وفي هذه الساحة عاش عشرات آلاف الفلسطينيين وفُتحت لهم أبواب المؤسسات والمرافق الانتاجية فعملوا وأعالوا أسرهم في فلسطين ودول الشتات، فيما كان للفلسطينيين دورهم في التنمية والتعليم والثقافة والصحافة، ففي الكويت كتب غسان كنفاني أول قصصه، ومنها عرف الفلسطينيون والعرب ريشة ناجي العلي وفي صحفهم تبوأت القضية الفلسطينية الصدارة في الاهتمام والمتابعة، وفي مدارسهم وجامعاتهم تخرجت الكفاءات وتعمدت علماً ومعارف وخبرات.
وتبرز أهمية الكويت كدولة بالنسبة للفلسطينيين والعرب في هذه المرحلة، بشكل يضع النقاط على الحروف بوضوح، من خلال المواقف المدروسة المتوازنة، ومحاولة ترميم الجسور بين العرب لتجاوز خلافاتهم وتغليب لغة الحوار على أية خيارات أخرى سعيا منها للم شملهم وتحقيق الوحدة الخليجية أولا والوحدة العربية ثانيا.
أما الصرخة العروبية الغيورة التي أطلقها رئيس مجلس الامة الكويتي نصرةً لأطفال فلسطين في الاجتماع البرلماني الدولي، ليست معزولةً عن ذلك السياق التضامني الكويتي الشعبي والرسمي، بقدر ما جاءت طبيعية متوافقة متناغمة منسجمة مع هذا السياق، لذلك فإن ما يمكننا استخلاصه من تجربتنا مع الكويت في التسعينيات، سيفيدنا في تعاملنا الحالي والمستقبلي مع الدول العربية الشقيقة، لا سيما في اتخاذ مواقف وقرارات متوازنة مما يجري في الساحات العربية، والحفاظ على شعار عدم التدخل في الشؤون الداخلية للأقطار العربية بالحفاظ على مسافة واحدة، حتى لا نغوص في التناقضات وبالتالي تتشتت بوصلتنا عن مسارها، فنحن بحاجة إلى دعم الدول العربية مجتمعة، ولا يجوز لنا الانضواء في إطار محاور وتكتلات وبيع مواقفنا في أي اتجاه، لأن الانحياز إلى تكتل أو محور يفقدنا دعم وتعاطف المحور الآخر. فالتحديات التي تواجهنا صعبة ومعقدة، وقضيتنا بأمس الحاجة إلى حاضنتها العربية الدفيئة التي نستمد منها قوتنا وعزنا وعزوتنا، فالأمة العربية هي الرئة التي نتنفس منها وهي القلب الحنون والعين التي نبصر بها ودمها الدفيء يجري في عروقنا، لذا نتطلع الى امة عربية موحدة قوية لتكون رصيدنا الاستراتيجي، وأمن أي مجتمع عربي هو أمن للفلسطينيين بامتياز، فنحن جزء من هذا الواقع العربي، فإن تخلخل تخلخلنا وإن تعافى امتدت العافية لنا، وأية نظرة إقليمية منفصلة عن الأفق العربي القومي الرحب الواسع تغرقنا وتسلبنا عوامل القوة والمنعة، ومن هذا المنطلق فإننا ننظر بعين تفاؤل وأمل للكويت وهي تنهض وتضطلع بمهمات عروبية قومية، تسهم في لملمة المشتت وتجميع المفرّق، فهي تعمل وتجتهد وعينها مفتوحة على فلسطين، وإن كانت تفعل ذلك ولا تنتظر شكراً، لكن واجبنا يحتم علينا أن نقول لها شكراً، لأنها تستحق ذلك عن جدارة.