ما زالت الدول الكبرى تتلاعب بحياة ومشاعر سكان مدينة حلب السورية. المدينة محاصرة من كل الاتجاهات، وقوات النظام تتقدم في شرق حلب بمعونة مليشيات إيرانية وعراقية، وطيران وقصف روسي. يقال إن تركيا توصلت لاتفاق مع روسيا على الهدنة المؤقتة التي تسمح للمدنيين، والمسلحين بأسلحة خفيفة من الانتقال إلى مدينة إدلب من خلال ممر آمن. هذه الاتفاقية لم تنفذ على أرض الواقع لأنها لم تحصل على رضا حلفاء النظام الآخرين.
تركيا تتحرك في الهدنة وفق موافقة قوى المعارضة، لاستنقاذ المدنيين وغيرهم من الإبادة الجماعية التي شهدت بعض فصولها مناطق من حلب الشرقية. أميركا فيما يبدو غير مبالية، وكأنها أدارت ظهرها للمعارضة في حلب، وتركت لروسيا الحبل على الغارب.
النظام وحلفاؤه يريدون شراء الوقت، ومواصلة الحسم العسكري، لذا لا تنفيذ لما يتم التوافق عليه مع روسيا، وهنا ينسى النظام أن سقوط حلب وتناثر المعارضة لا يعني انتهاء المعركة واستسلام الثوار في مدن وأرياف سوريا. لقد استمعت للعديد من قادة المعارضة في حلب وغيرها، وكلهم يتحدث عن الذهاب لحرب العصابات، وترك حرب المدن، حتى يتسنى لهم مواجهة النظام وحلفائه، وهذا يعني أن المعارك في سوريا لن تنتهي بسقوط حلب الشرقية، والمؤسف أن الفظاعات والجرائم التي تقوم بها المليشيات الموالية للنظام تزيد المقاتلين إصرارًا على القتال حتى الرمق الأخير.
الدخول إلى حلب، والسيطرة على بعضها، لم يكن دخولا عسكريا نظيفا، أو أخلاقيا، كما تنقل وكالات الأنباء المختلفة، بل كان دخولا فيه جرائم وفظاعات وتشفٍ ضد الأطفال والنساء والرجال على حدّ سواء، وينسى النظام أن هؤلاء هم جزء من الشعب السوري؟! لقد امتلأت وسائل الإعلام الاجتماعي الجديد بالدعاء لسكان حلب، وفضح جرائم النظام والمليشيات، وثمة صور تبث على الفيس بوك لا يستطيع المرء تحملها، ولا نجد لها مثيلا إلا عند الاحتلال الصهيوني عندما نكل بسكان رفح في حرب ٢٠١٤م.
جلّ المتابعين يرى أن انتصار النظام وروسيا في معركة حلب ليس نهاية المطاف، وهو انتصار متوقع للاختلال الكبير في موازين القوة بين الأطراف، ولخيانة أصدقاء الشعب السوري، الذين قدموا كلاما معسولا عن المساعدات، ولكنهم عمليا لم يقدموا للشعب غير الصراخ، والكلام الإعلامي.
هل تنتهي معركة حلب قريبا ببدء معركة إدلب، أم تنتهي بحوار سياسي مسئول يستبقي شيئا من سوريا لبناء المستقبل، ثمة من يرجح انفجار معركة إدلب، حيث تم تجميع جميع أو أغلب المقاتلين فيها، وأنه لا توجد إرادة سياسية للحل، وأن النظام يشعر بنشوة النصر الآن لذا هو يتجه إلى فرض رؤيته للحل على المعارضة التي تبحث عن حليف، بعد أن خذلها الحلفاء. المؤسف أنه لا يوجد ما يشير إلى انتهاء معاركة المعارضة مع النظام، ولا يوجد ما يكشف عن موقف روسيا من بقاء بشار الأسد وعائلته.