قائمة الموقع

أزمة النُّقود.. وجه آخر لحرب الإبادة على غزَّة

2025-12-31T18:30:00+02:00
أزمة النُّقود.. وجه آخر لحرب الإبادة على غزَّة
فلسطين أون لاين

أمام بسطة لبيع الخضار في غزة، أظهرت الستينية ناريمان أبو شعبان أوراقا نقدية قديمة ومهترئة من فئة 100 شيقل في محفظتها الشخصية، تعجز عن تصريفها في السوق، لتلبية احتياجاتها.

وتستغرق ناريمان وقتا إضافيا في السوق، لمحاولة الشراء بأوراق نقدية توصف بأنها بالية، لكنها كثيرا ما تبوء بالفشل.

يعكس ذلك، صورة حلقة مفرغة يدور بها المواطن يوميا، مع منع الاحتلال الإسرائيلي إدخال الأوراق النقدية الجديدة إلى غزة وسحب التالف منها، ضمن ما يراه مراقبون وجها آخر لحرب الإبادة الجماعية.

ويضع ذلك ملحا على جرح الأهالي الذين أنهكهم الاحتلال قتلا وإصابة وتجويعا وتعطيشا وتشريدا قسريا لأكثر من سنتين من حرب الإبادة.

بعد أن تمكنت بالكاد من شراء حزمة بقدونس، تقول ناريمان، لصحيفة "فلسطين": حصلت على الورقة النقدية من فئة 50 شيقل من أحد الباعة، ثم رفضها بائع آخر، وقبل بها أحدهم مقابل إعادة المال المتبقي لي بأوراق مهترئة أيضا.

وبات التسوق "مأساة" لهذه المسنة، التي توضح أن معظم الباعة يتفحصون الأوراق النقدية في الشمس، للتأكد من عدم وجود ثقوب فيها.

تضيف: البائع أعاد إلي الورقة النقدية، مبررا ذلك بوجود "فتحات فيها"، وقال إنه لا يتعامل بمثل هذه الأوراق، لصعوبة تداولها في السوق.

وينطبق ذلك على النسخ القديمة من الورقة النقدية فئة 100 شيقل، وعلى الأوراق المهترئة من فئة 20 و50 شيقلا على وجه الخصوص، وكذلك العملة المعدنية من فئة 10 شواقل، التي اختفت من التداول.

وما يزيد الطين بلة -كما تقول ناريمان- أنها تضطر إلى تكييش المال مقابل عمولة تصل إلى 18٪ حاليا، ثم تواجه مشكلات في التعامل مع الأوراق النقدية في السوق.

وناريمان هي والدة شهيدين، ودمر الاحتلال منزلها خلال حرب الإبادة الجماعية.

"المحصلة هي الخسارة"

وسط مدينة غزة، يبيع زكريا نجم الفلفل الأحمر بـ"الوزن"، لمحاولة تدبير لقمة عيشه، لكنه يواجه أزمة النقود أيضا.

يقول نجم، لصحيفة "فلسطين": هذه الأزمة تهدر ما لا يقل عن 30 عملية بيع يوميا، موضحا أن المشتري يقدم له أوراقا نقدية مثقوبة، لكن المشتري الذي يليه لا يقبل بها، خشية من عدم قدرته على تصريفها.

لكنه يواصل عمله في هذه المهنة لعدم وجود بديل. يقول: إذا بقي الغزي في بيته ولا مصدر دخل له فلن يقدم له أحد شيئا، لذلك يجب أن يسعى إلى رزقه، رغم المصاعب.

ويعجز نجم عن بيع الكميات القليلة من الفلفل للمواطنين عبر الدفع الإلكتروني، مبينا أن تكرار حركات البيع والشراء عبره تتسبب في تقييد الحساب البنكي.

ويشير إلى رفض التاجر استقبال الأوراق النقدية المهترئة خصوصا من فئة 20 و50 شيقلا، واشتراطه البيع بالأوراق المالية الجديدة، قائلا: المحصلة هي الخسارة، لكن في النهاية نريد أن نعمل.

ويحمل الشاب الاحتلال مسؤولية الأزمة النقدية، لكنه يلوم التجار لعدم قبولهم بالأوراق النقدية المهترئة، بمبرر عدم قدرتهم على تصريفها.

بدوره، يشتكي تاجر البيع بالجملة عبد السلام زيارة، من أزمة النقود أيضا، مشيرا إلى أنها تفشل نحو 100 عملية بيع يوميا.

يقول زيارة لصحيفة "فلسطين": إذا دفع المشتري ورقة نقدية مهترئة أو مثقوبة، وقبلت بها، فإن المواطن الذي يليه يرفضها، لصعوبة الشراء بها في السوق، مضيفا أن من وصفهم بـ"التجار الكبار" يرفضونها أيضا.

يؤدي ذلك، إلى تكدس الأوراق النقدية البالية لدى زيارة، في ظل عدم وجود سبيل لاستبدال هذه الأموال في غزة.

ويصف زيارة أزمة النقود في غزة بأنها "مدمرة" لعملية البيع والشراء، خصوصا أن كثيرا من المشترين لا يملكون حسابات بنكية أو محافظ إلكترونية للدفع.

"الحرب الاقتصادية"

من ناحيته، يرى الخبير الاقتصادي أحمد أبو قمر أن أزمة السيولة ومنع إدخال الأوراق النقدية الجديدة تأتي ضمن الحرب الاقتصادية التي تشنها (إسرائيل) على قطاع غزة وسياسة التنغيص على المواطن.

ويربط أبو قمر ذلك في حديثه مع صحيفة "فلسطين"، بمخطط الاحتلال لتهجير الغزيين قسرا.

ويقول: (إسرائيل) لا تلتزم ببروتوكل باريس الاقتصادي الذي يتحدث صراحة عن إدخال السيولة النقدية لما يلزم الأراضي الفلسطينية وإخراج الفائض والتالف منها واستبدالها بحيث يبقى المعروض النقدي من النقود في إطار معين يحدد بين الطرفين.

وبشأن دور سلطة النقد في حل هذه الأزمة النقدية، يرى أبو قمر أن هذه السلطة حيدت بقرارات إسرائيلية وأوعز القطاع المصرفي والمالي كاملا إلى السوق السوداء.

ويوضح أن السوق السوداء هي التي تتحكم بالكامل في القطاع المالي والمصرفي في غزة، واصفا ذلك بأنه "من أبشع الأشكال الاقتصادية التي لم نتوقعها".

ويتابع بأن "بضعة تجار هم من يتحكمون بهذا السوق بشكل كامل ويحددون ما يقبل أو يرفض من النقد"، معربا عن أسفه لكون "سلطة النقد  تركتنا عرضة للاستغلال".

ويؤكد أبو قمر، أن الأزمة "سياسية في المقام الأول وليست اقتصادية".

وعن انعكاسات هذه الأزمة على المواطنين، يوضح أنها تسبب خسائر كبيرة لهم، وهم يضطرون إلى الاستغناء عن العملة التالفة أو التخلص منها ربما بنصف قيمتها.

ويشير إلى أن هذه العملة أو ما يصفه بـ"الشيقل الخامل" مكدس لدى المواطنين "دون أي حلول في انتظار أي انفراجة اقتصادية".

وينبه إلى أن هذه الأزمة أفرزت مشكلة "التكييش" التي يعدها الباحث الاقتصادي الأخطر في هذا الصدد، إذ ترتبط بنسب عمولة مرتفعة مقابل حصول المواطنين على السيولة النقدية.

وعن الحلول، يقول أبو قمر: الحل هو إدخال السيولة النقدية. نحن مع التوجه نحو الدفع الإلكتروني بما يعزز خطة الشمول المالي ولكن لا يمكن إلغاء فكرة إدخال السيولة النقدية للأسواق وإخراج العملة التالفة منها وتعزيز التعامل بجميع العملات النقدية سواء كانت طبعة قديمة أو ١٠ أو ٢٠ شيقل أو غيرها.

وفي أكتوبر/تشرين الأول، استأنفت سلطة النقد العمل في عدد من فروع البنوك في قطاع غزة جزئيا بعد فترة انقطاع طويلة بسبب حرب الإبادة على القطاع، لكن هذه العودة ظلت منقوصة دون توفير السيولة النقدية اللازمة لتفعيل خدمات السحب والإيداع.

وفي انتظار إدخال العملات الجديدة إلى غزة، تبقى المعاناة اليومية للمواطنين شاهدا على جريمة إسرائيلية مستمرة، في خضم حرب الإبادة الجماعية.

اخبار ذات صلة