لا يفارق الخوف والقلق بعض أهالي حيّ التفاح الذين عادوا إلى منطقتهم عقب سريان الهدنة في غزة، إذ يفصلهم خط أصفر وهمي عن أجواء حرب مستمرة بلا هوادة في شرق الحي، في حين يحاولون استعادة ملامح الحياة في غَربه، حياة قد تقتلها في أي لحظة رصاصة طائشة أو قذيفة مدفعية قادمة من الشرق.
وحتى اللحظة، لم ينعم أهالي حيّ التفاح بالهدنة التي بدأ سريانها في أكتوبر الماضي؛ فالخط الأصفر التهم معظم أراضي الحي وأبقاها تحت سيطرة جيش الاحتلال الإسرائيلي، في حين ما تزال الحياة صعبة وخطيرة للغاية في ما يُعرف بغرب الخط الأصفر، حيث عاد بعض الأهالي للسكن في خيام أو فوق أنقاض منازلهم المدمّرة.
وتوضح الشابة روان الشرفا، إحدى العائدات إلى حيّ التفاح فيما تبقّى من منزل أسرتها، أن العودة إلى الحي كانت وما تزال محفوفة بالمخاطر، في ظل الخشية الدائمة من تقدمٍ مباغت لقوات الاحتلال، كما حدث قبل أيام حين توغلت القوات الإسرائيلية وأزاحت المكعبات الصفراء قرابة مئة متر نحو الغرب، وبعرض ثلاثمئة متر، ما أدى إلى نزوح عدد من العائلات التي كانت قد عادت إلى الحي.
وتقول الشرفا لصحيفة "فلسطين": «نحن نسكن بالقرب من الخط الأصفر، والوضع متوتر جدًا. نعيش كل يوم في خوف وقلق، فلا كهرباء ولا مولدات، ونعتمد فقط على الطاقة الشمسية لشحن البطاريات وإضاءة اللمبات».
وتضيف: «المياه هنا عبء يومي؛ فلا توجد خطوط مياه، ونضطر إلى تعبئة الجالونات ونقلها على الدرج يوميًا، كما نشتري المياه العذبة ونخزنها في خزانات داخل البيت».
وتزداد المعاناة في فصل الشتاء، إذ تتحول الأرض إلى طينية زلِقة تجعل الحركة صعبة للغاية. وتتابع الشرفا: «الحياة قاسية، ونحاول العيش بأقل الإمكانيات، لكن الخوف من أي تصعيد أو تهديد جديد لا يفارقنا، ونعيش كل لحظة في حالة ترقب».
وتصف الشرفا، التي تسكن بالقرب من مسجد المحطة، الوضع في الحي ليلًا بأنه «مخيف جدًا»، مؤكدة أنه لا أحد يستطيع الحركة بعد صلاة المغرب. وتقول: «في المساء يتواصل القصف، ويكثف الاحتلال تحليق طائراته، إلى جانب إطلاق النار وقذائف الدبابات، ونسمع أحيانًا أصوات تقدمها».
وتشير إلى استمرار نسف المنازل المدمّرة أصلًا شرق الخط الأصفر، حيث تهز أصوات التفجيرات الحي ليلًا ونهارًا، مضيفة: «أشد ما نخشاه أن نُضطر إلى النزوح مجددًا في هذا البرد القارس، كما حدث مع عدد من العائلات التي نزحت بعد أن أزاح الاحتلال الخط الأصفر قبل أيام. لا يوجد أي استقرار نفسي هنا».
ويخيّم الأسى على قلوب أهالي حيّ التفاح الذين تمكنوا من العودة إليه، وهم يشاهدون صباحًا ومساءً مشاهد الدمار الواسع الذي طال الحي المترامي الأطراف، حيث دُمّرت مناطق شرق التفاح، مثل الشعف، وجبل الريس، وجبل الصوراني، وشارع الجرو، ومنطقة الكيبوتس، تدميرًا شبه كامل.
ولا يختلف الحال كثيرًا في مناطق غرب التفاح، وتحديدًا غرب شارع صلاح الدين وشارع يافا الممتد من موقف جباليا حتى منطقة أبو شباك، والتي تشهد بدورها دمارًا واسعًا، وإن كان أقل حدّة من الشرق، في ظل محاولات حياة تصطدم بخط أصفر هشّ، واحتلال لا يلتزم بما وقّع عليه من اتفاقيات.