في مشهدٍ يختصر مأساة وسائل النقل في قطاع غزة، تزدحم الشوارع المتهالكة بظاهرة باتت تُعرف محليًا بـ«عربات الجار والمجرور». هذه الهياكل الحديدية الملحقة بمؤخرة السيارات الخاصة والعمومية لم تعد مجرد وسيلة لنقل البضائع، بل تحولت إلى «شريان حياة» يهدد بقطع الأنفاس، محوِّلةً رحلة النزوح أو البحث عن الطعام والماء إلى مغامرة محفوفة بالمخاطر.
ومع استمرار إغلاق المعابر، واشتداد الحصار، ومنع دخول قطع الغيار والسيارات الجديدة، وجد السائق الفلسطيني نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما: إما التوقف التام عن العمل، أو الابتكار والبحث عن بدائل قسرية. ويأتي ذلك في وقتٍ شهد قطاع النقل والمواصلات خروج أكثر من 70% من مرافقه ومركباته عن الخدمة، نتيجة الاستهداف الإسرائيلي المباشر والمتعمد، فضلًا عن توقف أعمال الصيانة بشكل كامل.
يقول الميكانيكي هاشم إسليم لصحيفة "فلسطين": «إن لجوء السائقين إلى تركيب هذه المجرورات هو نتيجة مباشرة لارتفاع أسعار المحروقات بنسبة تجاوزت 500% في بعض المناطق، ما دفع السائق إلى محاولة نقل حمولة تعادل ثلاث نقلات في رحلة واحدة عبر المجرور الخلفي».
ويضيف إسليم أن لهذا الحل الاضطراري ضريبة فنية قاسية على المركبة، موضحًا: «إن محركات السيارات الصغيرة وناقلات الحركة (الجير) غير مصممة لسحب أوزان تتجاوز قدرتها الاستيعابية، ما يؤدي إلى تآكل سريع في أجزاء المحرك واحتراق (الكلتش)، فضلًا عن الضغط الهائل على منظومة المكابح، التي تصبح أقل كفاءة في التوقف المفاجئ بسبب قوة الدفع الإضافية للمجرور».
ويشير الميكانيكي إلى أن خطورة هذه المجرورات تكمن في افتقارها لمعايير السلامة، قائلًا: «معظمها يُصنَّع يدويًا في ورش حدادة محلية دون مراعاة لتوازن الأحمال أو جودة الربط مع جسم السيارة (الهوك)، الأمر الذي لا يهدد السيارة فحسب، بل يرفع احتمالية وقوع حوادث سير نتيجة انحراف المجرور في المنعطفات أو انفصاله عن المركبة وسط الازدحام».
أما السائق محمود العايدي، الذي حوّل سيارته الخاصة إلى «جار ومجرور»، فيتحدث بمرارة لـ"فلسطين": «أعلم أنني أدمّر سيارتي بيدي، وأسمع أنين المحرك في كل غيار، لكن الغلاء الفاحش في أسعار الوقود جعل العمل بالسيارة وحدها خسارة محققة».
ويضيف: «المجرور هو طريقتي الوحيدة لتعويض التكلفة؛ فبدلًا من نقل أربعة ركاب، أنقل بضائع وركابًا إضافيين في الخلف. أضطر للسير ببطء شديد وتجنب المنعطفات الحادة. المسألة ليست طمعًا، بل صراع من أجل البقاء وتوفير لقمة العيش لأطفالي في ظل انعدام البدائل».
وعلى الجانب الآخر، يروي المواطن «أبو العبد» معاناة الركاب وهو يجلس وسط كومة من الأمتعة فوق أحد هذه المجرورات، قائلًا: «نحن نعلم أنها فخاخ موت، لكن ماذا نفعل؟ لا نملك خيارًا آخر. عندما أريد نقل عائلتي داخل غزة، يطلب أصحاب مكاتب السيارات الخاصة مبالغ خيالية لا نقدر عليها».
ويتابع بأسى: «نركب هذه المجرورات وقلوبنا بين أيدينا؛ ففي كل حفرة أو انعطاف نشعر أن المجرور قد يهوي بنا. هي وسيلة لمن ضاقت بهم السبل، نهرب من الموت لنركب في وسيلة قد تقودنا إليه».
ومشهد «المجرور» الذي يئن تحت وطأة الأحمال ليس سوى انعكاس لواقع قطاعٍ بأكمله يئن تحت وطأة الحصار، وبين مطرقة الحصار وسندان الحاجة، يبقى الغزي يدفع ثمن أمنه وسلامته يومًا بعد يوم.

