قائمة الموقع

إستراتيجية (إسرائيل) بعد طوفان الأقصى: تفكك الردع وإرباك الدور الإقليمي

2025-12-28T15:42:00+02:00
د. محمد هاني هزيمة

لم تكن عملية “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 حدثًا أمنيًا طارئًا، بل شكّلت نقطة كسر تاريخية في بنية الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، وضربة نوعية في صميم المنظومة الأمنية والعقائدية التي بنت عليها إسرائيل دورها الإقليمي منذ تأسيسها.

أولًا: سقوط وهم الأمن المطلق

اعتمدت إسرائيل لعقود على عقيدة أمنية صُوِّرت بوصفها محصّنة من الاختراق، قوامها: الردع المتفوّق، والإنذار المبكر، والحسم السريع. إلا أن طوفان الأقصى أطاح بهذه الركائز دفعة واحدة. فشل الاستخبارات في التقدير، وعجز الردع عن المنع، وانكشاف الجبهة الداخلية، جميعها مؤشرات على أن الأمن الإسرائيلي لم يعد بنية استباقية، بل ردّ فعل متأخر.

الأخطر من ذلك أن العملية كسرت هيبة “المنظومة التي لا تُخطئ”، وفتحت شرخًا نفسيًا داخل المؤسسة العسكرية والمجتمع الإسرائيلي.

ثانيًا: ارتباك إستراتيجي وإعادة تعريف الاشتباك

بعد طوفان الأقصى، لم تدخل إسرائيل مرحلة تخطيط مستقر، بل حالة ارتباك إستراتيجي.، فقد تبيّن أن نموذج إدارة الصراع عبر القوة المجردة لم يعد قادرًا على إنتاج ردع دائم، ولا على فرض وقائع نهائية.

برزت محاولات للانتقال نحو:

- توسيع نطاق المواجهة ليشمل الأدوات السيبرانية والتكنولوجية بدل الاعتماد الحصري على القوة العسكرية التقليدية.

- تكثيف الضربات المحدودة عالية الدقة لتفادي كلفة الحروب المفتوحة.

ثالثًا: تآكل صورة “شرطي المنطقة”

أحد أخطر تداعيات طوفان الأقصى يتمثل في تراجع صورة إسرائيل كقوة ضابطة للإقليم. فالدولة التي طالما قُدّمت كحليف استراتيجي قادر على ضمان الاستقرار، أظهرت عجزًا عن حماية نفسها، فضلًا عن حماية غيرها.

رابعًا: تحوّل في البيئة السياسية الدولية

سياسيًا، أحدث طوفان الأقصى شرخًا في الخطاب الغربي التقليدي. ورغم استمرار الدعم الرسمي، إلا أن مساحة النقد، والشك، وإعادة الطرح اتسعت داخل النخب السياسية والإعلامية، ما أعاد القضية الفلسطينية إلى الواجهة بوصفها جذر الأزمة لا تفصيلها.

إن إسرائيل بعد طوفان الأقصى ليست كما قبلها. هي تحاول إعادة بناء ردعها في بيئة فقدت فيها عنصر المفاجأة المعاكسة، وتبحث عن استعادة هيبتها في إقليم لم يعد يعترف بالتفوّق الأحادي.

اخبار ذات صلة