فلسطين أون لاين

حروب بلا نصر: معركة الفرقان نقطة تأسيس لفشل الحسم الإسرائيلي

يعيش الشعب الفلسطيني مع كل نهاية عام وتحديدًا في 27 ديسمبر ذكرى أول معركةٍ تخوضها فصائله المسلحة بشكلٍ خالص دون دعمٍ عربي واسلاميٍ مباشر كما كان يحدث مع منظمة التحرير الفلسطينية قبل توقيعها اتفاق أوسلو عام 1993، حيث أطلقت المقاومة الفلسطينية اسم (معركة الفرقان) على تلك المعركة، نظرًا للأحداث التي كان يعيشها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية إثر فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006، وعدم قبول حركة فتح بالنتائج، ما أدى لوقوع العديد من الأحداث الدامية في صفوف الشعب الفلسطيني.

وقد افتتح الاحتلال "الإسرائيلي" المعركة بضربةٍ استباقيةٍ استهدفت مقرات الأجهزة الأمنية والمؤسسات الحكومية التي كانت تخضع لسيطرة حماس آنذاك، مخلفةً قرابة 200 شهيد من أبناء الأجهزة الأمنية الفلسطينية التابعة لحماس، حيث أعلنت الحكومة "الإسرائيلية" برئاسة إيهود أولمرت أهداف المعركة "اسرائيليًا كما يأتي:

1.           إزاحة حماس عن حكم قطاع غزة.

2.           تحرير الجندي "الإسرائيلي" الأسير جلعاد شاليط المأسور خلال عام 2006.

3.           تدمير قوة حماس الصاروخية التي تشكل تهديدًا للأمن "الإسرائيلي".

ومن الجدير ذكره، أن حماس في ذلك الحين لم تكن تملك من الترسانة الصاروخية، والقدرة على بسط السيطرة الأمنية بالشكل الذي كانت تملكه قبل هجوم السابع من أكتوبر 2023، وعلى الرغم من ذلك إلا أن حكومة "الاسرائيلية" أثبتت فشلها الذريع في القدرة على تحقيق أهدافها المعلنة، ما أدى لتنحية أولمرت وتنصيب بنيامين نتنياهو بديلًا عنه من حزب الليكود خلال انتخاباتٍ داخل الحزب، واتخاذ قرارٍ يقضي بعدم الإفصاح عن أهداف أي معركةٍ مستقبلية سواء كانت مع حماس أو غيرها من التنظيمات الدولانية أو الدول، كي لا تظهر بمظهر غير القادر على إنفاذ أهدافه رغم القوة التي يملكها أمام مجتمعه من جهة، وأمام العالم من جهةٍ أخرى.

كما استمرت المعركة قرابة 22 يومًا أثبتت المقاومة الفلسطينية خلالها قدرتها على إدارة المعركة بمنظومة متكاملة لم يعتقد الاحتلال امتلاكها لها، على الرغم من فقدانها للعديد من قادتها البارزين مثل: سعيد صيام وزير الداخلية الفلسطيني ونزار ريان القيادي البارز في حركة حماس، وغيرهما من القادة البارزين السياسيين والعسكريين، لتنتهي المعركة بعد دخول باراك أوباما للبيت الأبيض في ولايته الأولى كخليفةٍ لسابقه جورج بوش الابن، الذي تختلف سياسته عن سياسة سلفه بالاحتواء وإدارة الصراع من الخلفية وليس الواجهة، ما جعله يتخذ قرارًا يقضي بإنهاء الحرب "الاسرائيلية" على غزة.

فيما استمرت حماس محافظةً على الأسير "الاسرائيلي" شاليط، وفارضةً سيطرتها على القطاع بالشكل الذي يراعي الأمن للمقاومة، وصولًا لمراكمتها لقوتها البرية والصاروخية على حدٍ سواء حتى استطاعت قصف مدينة تل أبيب في عام 2012 بعد اغتيال نائب قائد أركان القسام أحمد سعيد الجعبري في 14 نوفمبر من ذلك العام، حيث عرفت المعركة باسم (حجارة السجيل)، بالإضافة لخوض المقاومة لمعركةٍ طويلةٍ أخذت اسم (العصف المأكول)، لتستمر 51 يومًا في العام 2014، تخللها الاجتياحات البرية لبعض المناطق الشرقية من قطاع غزة.

لتثبت المقاومة أنها الأجدر على فرض معادلتها وقواعد اشتباكها على الرغم من جسامة التضحيات التي يقدمها الشعب الفلسطيني، ويظهر الاحتلال بفشله الذريع في عدم قدرته على تحقيق أي أهداف له خلال المعارك عمومًا ومعركة الفرقان خصوصًا، والتي لو كان قد حقق أيًا منها لشكل ضربة في الفكر الفلسطيني المقاوم، كما أنه يحاول فعل ذلك بعد هجوم السابع من أكتوبر وغزوه البري للقطاع واستمرار الحرب على مدار سنتين تقريبًا، دون أن يصل للنتائج المرجوة بالنسبة له.

وبناءً عليه، هل يستطيع الاحتلال تحقيق ما يريد من أهداف أعلنها خلال الحرب الأخيرة على غزة بالضغط التفاوضي السياسي على الرغم من عدم تحقيقه لها ميدانيًا؟

لا شك أن المقاومة الفلسطينية تنتهج أسلوب التعلم من الخصم كما كافة حركات التحرر والمقاومة على مر التاريخ، كما أن الاحتلال "الاسرائيلي" يعتبر كـ "دولة" من أكثر دول العالم تعلمًا من أخطاءه وعثراته، وقد ظهر ذلك خلال معركة طوفان الأقصى (7 أكتوبر 2023 – 10 أكتوبر 2025) حين غطى سلاح المدرعات لديه أبراج الدبابات العسكرية بغطاءاتٍ شبكية تفاديًا لقذائف المسيرات التابعة للمقاومة الفلسطينية، وعليه فإن المقاومة تتعلم من أخطاءها كما عدوها، وتستنتج إنجازاتها كذلك لتكررها بتكتيكاتٍ مشابهةٍ أو مختلفة.

لذلك، فإن استراتيجية التفاوض المتبعة من المقاومة الفلسطينية خلال الحرب الأخيرة على القطاع تختلف في استراتيجيتها وتكتيكاتها، حيث ظهر ذلك في التنسيق عالي الدرجة بين رجل الميدان والمفاوض السياسي خلال الفعل التفاوضي، وعليه فإن ما يمكن أن يحققه الاحتلال على طاولة المفاوضات لا يمكن أن يكون بالأثر الذي يطمح له.

خصوصًا في ظل اللامركزية المحدودة التي طرأت على المقاومة الفلسطينية خلال الحرب الأخيرة على غزة، ما جعل لديها مرونةً عاليةً في استبدال القادة وسد الشواغر والثغرات التي يخلقها الاحتلال لتحقيق اختراقٍ في الصف القيادي، كما فعل مع اغتيال صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، واسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس، وفشل محاولته اغتيال العديد من قيادات الحركة وعلى رأسهم رئيس الوفد المفاوض الدكتور خليل الحية في قطر.

المصدر / فلسطين أون لاين