قائمة الموقع

"الموت البطيء الممنهج".. هاجس مرضى الكلى في غزة

2025-12-25T15:23:00+02:00
استمرار معاناة مرضى غسيل الكلى في قطاع غزة، حتى بعد انتهاء الإبادة الجماعية
فلسطين أون لاين

بعد أكثر من عامين من حرب الإبادة التي شنها الاحتلال على غزة، تظل مأساة مرضى الفشل الكلوي في غزة نموذجًا صارخًا لمعاناة آلاف الفلسطينيين في ظل تدمير ممنهج للمنظومة الصحية، ونقص حاد في الأدوية والمستلزمات، وتقييد وصول المرضى إلى خدمات حيوية، ما يجعل حياتهم مرهونة بالقدرة على الوصول إلى المستشفيات في ظل ظروف قاسية لا إنسانية.

ومع استمرار الحرب والحصار، يبقى السؤال الأكبر عن مصير هؤلاء المرضى وعن قدرة المجتمع الدولي على التدخل لإنقاذ حياتهم من الموت البطيء الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي يوميًا.

“نُجبر اليوم على تقليص جلسات غسيل الكلى من ثلاث إلى جلستين أسبوعيًا، ولمدة لا تتجاوز ساعتين ونصف، بسبب انقطاع الكهرباء ونقص المستلزمات الطبية، وهذا يعني عمليًا تراكم السموم في أجساد المرضى وارتفاع معدلات الوفاة بينهم”.


 

بهذه الكلمات يلخّص الطبيب محمد قنديل، من قسم غسيل الكلى في مجمع الشفاء الطبي، لصحيفة "فلسطين" حجم الكارثة الصحية التي يعيشها مرضى الفشل الكلوي في قطاع غزة، بعد أكثر من عامين على حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي، والتي حوّلت المرض من معاناة قابلة للعلاج إلى حكم بالموت البطيء.

الطبيب قنديل يوضح أن مجمع الشفاء الطبي يضم 34 جهاز غسيل كلى فقط، تخدم نحو 750 مريض فشل كلوي، وهو عدد لا يكفي إطلاقًا، خاصة بعد خروج مستشفى الإندونيسي عن الخدمة. ويضيف: “نعاني نقصًا حادًا في أدوية فقر الدم، خصوصًا إبر الإريثروبويتين، ما يضطرنا إلى نقل الدم المتكرر بدلًا من العلاج الدوائي، وهو حل اضطراري وخطير”.

ولا تتوقف المعاناة عند حدود العلاج، إذ يواجه المرضى صعوبات هائلة في الوصول إلى المستشفيات بسبب النزوح، وارتفاع تكاليف المواصلات، وانعدام الأمن.

وزارة الصحة في غزة حذّرت، في بيان سابق، من تدهور خطير وغير مسبوق في الأرصدة الدوائية داخل مستشفيات القطاع، مشيرة إلى نسب عجز بلغت 52% في الأدوية و71% في المستهلكات الطبية، في وقت تعاني فيه المنظومة الصحية من استنزاف حاد نتيجة الحرب والحصار وإغلاق المعابر.


 

وأكدت الوزارة أن هذا العجز أدى إلى حرمان مئات المرضى من الخدمات المنقذة للحياة، وفي مقدمتهم مرضى الفشل الكلوي، حيث حُرم نحو 650 مريضًا من جلسات غسيل منتظمة، ما يعرّضهم لمضاعفات قاتلة، بينها الجلطات القلبية والدماغية، دون توفر أي تدخلات علاجية.

أما المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان فوصف ما يجري بأنه موت بطيء وممنهج، مؤكدًا أن ما بين 1000 و1500 مريض فشل كلوي في غزة يواجهون تدهورًا حادًا في أوضاعهم الصحية، نتيجة انهيار المنظومة الطبية، وتعطّل غالبية المستشفيات بفعل التدمير، وانقطاع الكهرباء والوقود والمياه النظيفة.

ووثّق المرصد وفاة 20 مريضًا على الأقل  خلال الفترة الماضية بسبب عدم تمكنهم من تلقي العلاج في الوقت المناسب، محذرًا من أن عشرات الحالات الأخرى باتت على حافة الموت في أي لحظة.

الحاجة أم حازم شبير واحدة من تلك الأسماء التي لم تحتمل هذا الواقع القاسي. كانت مريضة فشل كلوي، تحاول التشبث بالحياة بأقل المقومات، قبل أن تفارقها بصمت.


 

يقول نجلها حمادة لصحيفة فلسطين: “أمي حاولت تعيش بأقل الإمكانيات… كانت تعرف إن الأجهزة قليلة والأدوية شبه معدومة، لكنها تمسكت بالأمل. الاحتلال منع سفرها ومنع دخول أدويتها الخاصة، ومع الوقت انهار جسدها، وفقدناها لأن الحياة الأساسية لمرضى الكلى لم تعد موجودة”.

يروي حمادة كيف كانت والدته تنتظر دورها لساعات طويلة، أحيانًا دون أن تحصل على جلسة غسيل، وكيف كان انقطاع الكهرباء يحوّل كل جلسة إلى مخاطرة.

الحاج أبو محمود عليوة ، مريض فشل كلوي من حي النصر بغزة، يقول إن الخوف بات رفيقه الدائم: “أحيانًا أكتفي بجلسة واحدة في الأسبوع. أشعر بثقل في صدري وصداع دائم. الطبيب يقول إن السموم تتراكم، لكن ماذا نفعل؟ لا كهرباء، لا وقود، لا أجهزة كافية”.

يضيف بصوت متعب: "أخاف أن أنام ولا أستيقظ، كما حدث مع كثيرين أعرفهم.

أما عبد الله الهسي فيواجه المرض والنزوح معًا. يقول إن عائلته تنقلت بين أكثر من مكان، ما جعل الوصول إلى المستشفى رحلة شاقة.

يضيف لصحيفة "فلسطين": أحتاج إلى غسيل منتظم، لكن أحيانًا لا أجد مواصلات، أو أصل فأُبلّغ بأن الأجهزة ممتلئة. أشعر أن المرض يسبقني بخطوة دائمًا”.

بين تصريحات الأطباء، وبيانات المؤسسات الحقوقية، وشهادات المرضى، تتكشف صورة واحدة: مرضى غزة يُتركون للموت فالفشل الكلوي، الذي يمكن التعايش معه في أي مكان آخر من العالم، تحوّل في غزة إلى حكم إسرائيلي بالإعدام، في ظل صمت دولي وعجز إنساني فاضح.



 

اخبار ذات صلة