قائمة الموقع

حماس تنشر روايتها الثَّانية حول "طوفان الأقصى": قراءة في جذور المعركة ومساراتها

2025-12-24T19:46:00+02:00
رواية: طوفان الأقصى – عامان من الصمود وإرادة التحرير

أصدرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وثيقتها السياسية المطوّلة الثانية التي تعرض فيها روايتها حول عملية السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 وحرب الإبادة على قطاع غزة، تحت عنوان: «روايتنا: طوفان الأقصى – عامان من الصمود وإرادة التحرير»، في 36 صفحة، في خطوة وصفتها مصادر متابعة بأنها محاولة لإعادة تأطير الحدث سياسيًا وتاريخيًا ومواجهة السردية الإسرائيلية والغربية التي هيمنت على الخطاب الدولي في الأيام الأولى للحرب.

وتطرح الوثيقة "طوفان الأقصى" ليس كعملية عسكرية معزولة، بل كحلقة ضمن مسار ممتد من الصراع، واضعة السابع من أكتوبر في سياق انسداد الأفق السياسي، وتصاعد الاستيطان، واستهداف القدس والمسجد الأقصى، واستمرار حصار غزة، وفشل المجتمع الدولي في تنفيذ قراراته المتعلقة بالقضية الفلسطينية.

"حماس" تنشر روايتها الثانية حول معركة "طوفان الأقصى".. "رابط الحصول على الرواية"

وفي افتتاح الوثيقة، شددت حماس على أن السابع من أكتوبر لم يكن بداية الحرب، بل "نتيجة طبيعية" لاحتلال مستمر منذ عام 1948 على مدى 77 عامًا، مؤكدة أن "إسرائيل" أفشلت بشكل منهجي مسار التسوية السياسية مع السلطة الفلسطينية، واستخدمته غطاءً لتكثيف التهويد والاستيطان. وبذلك تحاول الرواية الجديدة نقل النقاش من سؤال "كيف بدأ الهجوم؟" إلى سؤال أوسع: "لماذا وصل الصراع إلى هذه اللحظة؟"، مقدمة الحدث بوصفه منعطفًا تاريخيًا لا فعلًا مفاجئًا معزولًا.

وتطرقت الوثيقة إلى المشهد السياسي الإسرائيلي، مشيرة إلى أنه في أواخر عام 2022 تشكلت أكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفًا عبر تحالف اليمين الليكودي مع "الصهيونية الدينية"، بهدف فرض الرؤية الصهيونية بالقوة على القدس والمسجد الأقصى والضفة الغربية، مع إسناد أخطر الملفات الفلسطينية لوزراء يوصفون بالأكثر تطرفًا، من بينهم إيتمار بن غفير في وزارة الأمن القومي وبتسلئيل سموتريتش في ملف الاستيطان بوزارة الأمن.

كما حذرت الوثيقة من تسارع وتيرة تهويد المسجد الأقصى عبر الاقتحامات اليومية ومحاولات فرض التقسيم الزماني والمكاني تحت حماية جيش الاحتلال، معتبرة أن هذه السياسات تعيد إنتاج النكبة في قلب القدس المحتلة.

وفي ما يتعلق بقطاع غزة، أكدت حماس أن القطاع لم يكن بمنأى عن الاستهداف، وقالت إن رئيس جهاز الشاباك رونين بار عرض، في الأول من أكتوبر 2023، أي قبل أسبوع من "طوفان الأقصى"، خطة لتصفية قيادة الحركة في غزة على رئيس الأركان هرتسي هاليفي وكبار المسؤولين الأمنيين، وطلب رفعها للمصادقة من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي لم يمنح التفويض حينها.

وأضافت أن هذه التطورات جاءت في ظل حصار خانق مفروض على قطاع غزة منذ 17 عامًا، وحرمان السكان من أبسط حقوقهم في الحركة والحياة الطبيعية والحصول على الاحتياجات الأساسية، مع الإشارة إلى واقع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال وما يتعرضون له من "أشكال القمع والتنكيل والإهانة والقتل البطيء" في ظل انعدام أي أفق سياسي للإفراج عنهم.

وتستعيد الوثيقة، في استعراضها للواقع الدولي والإقليمي قبل السابع من أكتوبر، قولها إن الحلف الأميركي–الصهيوني سعى إلى دمج الاحتلال في المنطقة عبر موجات التطبيع بهدف "دفن القضية الفلسطينية" وتحويلها إلى ملف من الماضي.

كما تشير إلى أن المجتمع الدولي، رغم وجود ترسانة كبيرة من القرارات الأممية لصالح فلسطين، لم ينفذ منها شيئًا على مدى عقود، موضحة أنه حتى نهاية سبتمبر 2023 صدر 1180 قرارًا عن الجمعية العامة ومجلس الأمن دون تطبيق فعلي، متسائلة عما يتوقعه العالم من شعب يسعى لانتزاع حريته وحقوقه.

وتبرز الوثيقة بوصفها "معركة وعي وشرعية" بقدر ما هي رواية سياسية، إذ تركز على ما تسميه “الحرب على الرواية”، وتقول إن إسرائيل وحلفاءها أطلقوا حملة تضليل واسعة هدفت إلى نزع الشرعية عن الفلسطينيين وتبرير حرب شاملة على غزة.

وتتوقف مطولًا عند الاتهامات المتعلقة باستهداف المدنيين، نافيةً ذلك، ومؤكدة أن قتل المدنيين "ليس من ديننا ولا من قيمنا الوطنية والحضارية"، ومعلنة استعدادها لتحقيق دولي مستقل في مزاعم مقتل مدنيين إسرائيليين يوم السابع من أكتوبر، مقابل السماح بتحقيق دولي محايد في الجرائم التي ارتكبها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، خصوصًا خلال الحرب على غزة.

وفي هذا الإطار، تقول حماس إن "إسرائيل" قلبت الحقائق منذ اللحظة الأولى، وروّجت سلسلة من الادعاءات بشأن قتل الأطفال واغتصاب النساء، تمهيدًا للمضي في مشروع إبادة شامل "كان مخططًا له مسبقًا"، بهدف محو غزة من الوجود.

وفي ما يخص مجريات الهجوم، تؤكد حماس أنها عرضت صفقة تبادل في الأيام الأولى بعد العملية تشمل غير العسكريين، إلا أن الاحتلال رفضها، ولم يقبل بها إلا خلال هدنة قصيرة في تشرين الثاني/نوفمبر 2023 استمرت أسبوعًا، أُطلق خلالها نحو مائة أسير.

وتصف الحركة حرب غزة بأنها "وحشية غير مسبوقة"، هدفها استعادة صورة الردع والهيبة التي اهتزت بعد السابع من أكتوبر، مؤكدة أن الهدف الحقيقي لم يكن تحرير الأسرى الإسرائيليين، بل ارتكاب أكبر قدر من المجازر بحق المدنيين، وتدمير المنازل والمدارس والمستشفيات ودور العبادة والبنى التحتية، وفرض التجويع والتهجير الجماعي، معتبرة أنها "أول إبادة جماعية تُبثّ على الهواء مباشرة" بالصوت والصورة أمام أنظار العالم.

وتقول حماس إنها، منذ اليوم الأول للعدوان، بذلت بالتنسيق مع فصائل المقاومة وبالتعاون مع الوسطاء جهودًا متواصلة لوقف القتل والمجازر ووقف التدمير الممنهج، وتعاملت بمسؤولية وطنية عالية مع جميع المبادرات والمقترحات المتعلقة بوقف إطلاق النار، إلا أن هذه الإيجابية اصطدمت بسياسات حكومة نتنياهو المتطرفة الرافضة لإنهاء الحرب.

وفي سياق متصل، تطرق النص إلى جريمة الاحتلال باستهداف وفد الحركة المفاوض في قلب الدوحة أثناء مناقشة عرض تفاوضي، معتبرًا ذلك انتهاكًا غير مسبوق للأعراف الدولية.

وعن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي طرحت في نهاية سبتمبر 2025، قالت حماس إنها تعاملت معها "بمسؤولية كاملة وجدية"، وقدمت ردًا يرحب بما في الخطة من وقف الحرب ومنع التهجير، وبدء انسحاب قوات الاحتلال بشكل كامل وتدريجي، وإدخال الاحتياجات المعيشية ومستلزمات الإعمار، وصفقة تبادل للأسرى الأحياء والجثامين، كما وافقت على إدارة قطاع غزة من قبل هيئة إدارية فلسطينية (حكومة تكنوقراط) تحظى بقبول وطني ودعم عربي ودولي، مؤكدة أنها لن تسمح بأن يحقق الاحتلال عبر التفاوض ما فشل في انتزاعه بالقوة والإبادة.

وتخصص الوثيقة مساحة واسعة لعرض ما تعتبره نتائج "طوفان الأقصى" على المستويات السياسية والإقليمية والدولية.

فهي ترى أن العملية أثبتت أن الشعب الفلسطيني عصي على الإخضاع والتطويع، وأعادت القضية الفلسطينية إلى قلب العالم سياسيًا وإعلاميًا، من الأمم المتحدة إلى الشوارع والجامعات والمنابر الحقوقية، لتعود قضية تحرر وعدالة وكرامة إنسانية بعد محاولات تهميشها عبر التطبيع.

كما شددت أن الحرب كسرت "جدار التطبيع" ورفعت منسوب الرفض الشعبي العربي والإسلامي، وكشفت شروخًا عميقة داخل المجتمع الإسرائيلي، وأسقطت نظريات الأمن القائمة على الردع والإنذار المبكر ونقل المعركة، وأجبرت المؤسسة الإسرائيلية على مراجعة عقيدتها الأمنية والعسكرية.

وتربط حماس هذه النتائج بالتحولات الحاصلة في صورة "إسرائيل" عالميًا، إذ تقول إن الكيان تحول من "قلعة للحضارة الغربية" إلى عبء أخلاقي وسياسي على حلفائه، ولم يعد يُنظر إليه كـ "ديمقراطية"، بل كدولة تمارس الإبادة أمام عدسات الكاميرات، هذا التحول انعكس في مسارات قانونية داخل محكمتي العدل والجنائية الدوليتين، وفي اتساع حملات المقاطعة الاقتصادية والأكاديمية والثقافية، فضلًا عن موجات احتجاج عالمية واسعة.

وفي هذا السياق، تشير الوثيقة إلى أن أوروبا شهدت أكثر من 45 ألف مظاهرة خلال عامين، وأن الولايات المتحدة شهدت نحو 12,400 مظاهرة خلال الأشهر التسعة الأولى للطوفان، بالإضافة إلى آلاف المظاهرات في مناطق أخرى من العالم، مؤكدة أن الرأي العام العالمي لم يعد يقبل توصيف الإبادة "نزاعًا" ولا الاحتلال "دفاعًا عن النفس".

وفي ملف التبادل، تقول حماس إن تنفيذ المرحلة الأولى من وقف الحرب وصفقات تبادل الأسرى أسفر عن الإفراج عن نحو 4,000 أسير فلسطيني من سجون الاحتلال، بينهم 486 محكومًا بالمؤبد و319 بأحكام طويلة، معتبرة ذلك "إنجازًا نوعيًا". كما تتحدث عن اهتزاز فكرة "الملاذ الآمن" وتصاعد الهجرة العكسية والقلق داخل أوساط المستوطنين.

وتتضمن الوثيقة رسائل سياسية تتجاوز غزة، إذ تخاطب المجتمع الدولي محملة إياه مسؤولية الصمت والعجز واعتباره شريكًا غير مباشر في استمرار الحرب، وتخاطب الفلسطينيين بالتأكيد على مركزية خيار المقاومة في ظل فشل التسوية، وتخاطب الإقليم بالقول إن الحرب أعادت وضع القضية في الصدارة وأسقطت أوهام تجاوزها عبر التطبيع.

كما تنفي الوثيقة فكرة "عزل حماس"، مؤكدة أنها مكوّن أصيل ومتجذر في المجتمع الفلسطيني منذ تأسيسها عام 1987، وأن محاولات اجتثاثها لم تفلح على مدى 38 عامًا، معتبرة أن "عزل حماس وهم سياسي"، وأن جوهر المشكلة هو الاحتلال وجوهر الحل إنهاؤه، مع التأكيد على الشراكة الوطنية والاحتكام للإرادة الشعبية عبر الانتخابات أو التوافق الوطني، ورفض الوصاية والإملاءات الخارجية.

وتحدد حماس "أولويات المرحلة"، وعلى رأسها الانسحاب الكامل من غزة، وكسر الحصار، وإعادة الإعمار، ومتابعة إطلاق سراح جميع الأسرى، وإدارة قطاع غزة بإرادة فلسطينية مستقلة دون إقصاء، إلى جانب حماية القدس والأقصى والضفة الغربية، وإعادة ترتيب البيت الداخلي وبناء منظمة التحرير على قاعدة الثوابت والمصالح العليا، والتهيئة لانتخابات حرة تشمل الفلسطينيين في الداخل والخارج.

تؤكد على مواجهة التطبيع، وترسيخ السردية الفلسطينية وإسقاط السردية الصهيونية، وإنشاء مؤسسات تحفظ الذاكرة الجمعية، ومواصلة الجهود القانونية لملاحقة الاحتلال وقادته على جرائم الإبادة والتجويع والتهجير أمام المحاكم الدولية والوطنية.

وتشدد حماس على أن "بعد عامين من الإبادة والصمود" تتجلى روايتها في أن شعبًا لا يُمحى، ومقاومة لا تُهزم، وذاكرة لا تُنسى، وأن فلسطين لا تطلب شفقة العالم بل احترام حقها في الحياة والحرية، كما تجزم أن الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين ليست حلمًا، بل استحقاق تاريخي وسياسي فرضه شعب صمد تحت الإبادة ولم ينكسر.

اخبار ذات صلة