قائمة الموقع

قطع رواتب الشهداء والأسرى بين الإملاءات الخارجية والانحدار الأخلاقي

2025-12-24T09:15:00+02:00
فلسطين أون لاين

في خطوة أثارت صدمة وغضباً شعبياً ووطنياً، أقدمت السلطة على تحويل رواتب الشهداء والأسرى إلى ما تُسمّيه "مؤسسة تمكين"، في قرار يطرح أسئلة جوهرية عن القيم الوطنية والمواقف الأخلاقية للمسؤولين.. هذه الرواتب التي تمثل شريان حياة لعائلات قدمت أغلى ما لديها دفاعاً عن القضية الوطنية، لم تُحترم كمكتسب وحق مشروع، فقد صارت أداة لمراعاة إملاءات خارجية، وتطبيق سياسات تتماهى مع أهداف الاحتلال.

ما حدث يُمثّل انعكاس واضح لانحدار أخلاقي وسياسي، يكشف عن هشاشة الالتزام بالمسؤولية الوطنية، ويضع السلطة أمام اختبار أخلاقي حاسم، هل ستظل حامية للتضحيات أم ستتحول إلى أداة عقاب للمناضلين وعائلاتهم؟ هذا القرار يستدعي قراءة دقيقة لمعانيه السياسية والاجتماعية، وعواقبه على النسيج الوطني الفلسطيني.

الرواتب حق مشروع وتكريم لتضحيات وطنية

إن الحديث عن رواتب الشهداء والأسرى لا يمكن اختزاله في بعد مالي محض، فهي رمز حي للتقدير الوطني والاعتراف بالتضحيات التي لا تُقاس، هذه الرواتب تمثل شريان حياة لعائلات قدمت أغلى ما لديها دفاعاً عن الأرض والكرامة، وتؤكد أن المجتمع الفلسطيني يحترم أولئك الذين ضحوا بحياتهم وحرية أبنائهم في سبيل الصمود والمقاومة.

إسقاط هذه الحقوق، أو تحويلها إلى ما تسمى "مؤسسة تمكين"، يعبّر عن عملية سياسية منهجية تهدف إلى تهشيم روح التضحية وهدر القيم الوطنية الأصيلة التي قامت عليها حركة النضال الفلسطيني منذ النكبة، وإن هذا القرار يبعث برسائل مدمرة للأجيال الجديدة، مفادها أن التضحية لا تُكافأ وأن الصمود أمام الاحتلال يمكن تجاوزه بمسوغات إدارية باردة.

على المستوى الاجتماعي والنفسي، فإن القرار يضع عائلات الشهداء والأسرى في موقف هشّ ومربك، فالأطفال والأبناء الذين فقدوا آباءهم أو شهدوا أسر ذويهم يُجبرون على مواجهة واقع مالي قاتم، يضاعف من معاناتهم النفسية، ويهدد استقرارهم المعيشي والاجتماعي، وفي هذا السياق يصبح القرار خطراً مزدوجاً: اقتصادي ونفسي، يضرب الأساس الاجتماعي الذي يحمي الكرامة الوطنية ويعزز روح المقاومة.

القرار بين الإملاءات الخارجية والخضوع السياسي

ما يجعل هذا القرار أكثر خطورة هو الدلالة السياسية الصادمة على مستوى السيادة والقرار الوطني، فالمسار الذي اتخذته السلطة يعكس بوضوح خضوعاً لضغوط خارجية، خصوصاً من الجهات التي تعمل على تهميش نضال الشعب الفلسطيني وتحويل حقوقه الأساسية إلى أداة ابتزاز سياسي.

تزامن القرار مع محاولات الضغط على القطاع المدني والمؤسساتية الفلسطينية، يفضح العلاقة المتشابكة بين سياسات السلطة وأجندة الاحتلال الممنهجة، فالتحويلات المالية التي كانت تمثل دعماً مباشراً لعائلات الشهداء والأسرى صارت الآن أداة سياسية لتكريس الانقسام وتهديم الوحدة الوطنية، وهذا الانحدار في السياسات يعكس خضوعاً فاضحاً للإملاءات الخارجية على حساب السيادة الوطنية والمبادئ الأخلاقية العليا.

تداعيات هذا الخضوع أصبحت ملموسة على الأرض، من ضعف مصداقية السلطة في الدفاع عن حقوق المواطنين، خلق فجوات ثقة مع الجمهور، وإرسال إشارات سلبية للأجيال الفلسطينية مفادها أن السلطة مستعدة للتنازل عن القيم الوطنية مقابل تلبية ضغوط خارجية، وإن القرار بمثابة اختبار أخلاقي وسياسي صارخ للسلطة، يكشف مدى استعدادها للتخلي عن التزامها تجاه من قدموا أرواحهم وحرية أبنائهم في سبيل القضية الوطنية.

الانحدار الأخلاقي: خيانة للوفاء والكرامة الوطنية

إن تبرير قطع رواتب الشهداء والأسرى على أنه إصلاح إداري أو خطوة تنظيمية محاولة سافرة لتلميع قرار فاضح من الناحية الأخلاقية والسياسية، فالمسألة هنا خيانة صريحة للوفاء والتضحية التي قدمها الشهداء والأسرى وعائلاتهم، فكل لفظ من محاولات التبرير هذه يشكل طبقة إضافية من الانحدار الأخلاقي، ويؤكد أن السلطة اختارت المصلحة السياسية المؤقتة على حساب القيم الوطنية الثابتة.

هذا الانحدار يترجم سقوطاً للقيم التي يجب أن تصونها السلطة، فيصبح من راعية للتضحيات ومنحازة للصمود، إلى جهة تسيء للمناضلين وتبتز أسرهم، والأثر يمتد إلى الثقافة السياسية للشعب الفلسطيني؛ إذ يرسخ رسائل قاتمة لدى الشباب والأجيال القادمة، أن التضحية والفداء يمكن تجاوزهما بمسوغات إدارية، وأن الالتزام بالقيم الوطنية ليس سوى خيار قابل للمساومة، هذا التلاعب بالقيم يضعف الروح الوطنية ويهدر الرصيد الأخلاقي الذي تميز به الشعب الفلسطيني عبر عقود النضال والصمود.

انعكاسات سياسية واجتماعية: تعميق الانقسام وإضعاف المقاومة

القرار يُعتبر أداة سياسية مدروسة لتعميق الانقسام وإضعاف النسيج المجتمعي، فعندما تُحوّل رواتب الشهداء والأسرى من وسيلة دعم للكرامة والصمود إلى أداة ابتزاز، تتضاعف حالة الاحتقان الشعبي ويزداد الاستياء من السلطة، وهذا يخلق فجوة بين المواطن ومؤسساته، ويضعف المصداقية الوطنية ويضر بالقدرة على تحقيق الوحدة الوطنية.

الانعكاسات الاجتماعية والسياسية لهذا القرار واضحة، هناك تراجع في الثقة بالمؤسسات الرسمية، وإضعاف دورها في حماية المواطنين، وتحويل الحقوق المكتسبة إلى أدوات ضغط، ما يعزز الانقسام الداخلي ويضعف قدرة المجتمع على مواجهة سياسات الاحتلال المشتركة، وبهذا يصبح القرار مخاطرة مزدوجة، فهو يضرب الروابط المجتمعية ويقوض الجبهة الداخلية للمقاومة الفلسطينية.

دعوة عاجلة للتحرك الوطني والشعبي

في مواجهة هذا الانحدار الأخلاقي والسياسي، يصبح التحرك الوطني والشعبي ضرورة ملحة، يجب إطلاق حملة تضامن وطني عاجلة مع الأسرى وعائلات الشهداء، تشمل الضغط الشعبي والسياسي لإلغاء القرار واستعادة الحقوق المشروعة.

الواجب لا يقتصر على المطالبة بالحقوق، يجب أن يمتد إلى تحفيز الوعي الوطني حول الدور الفردي والجماعي في حماية قيم التضحية والصمود، وضمان أن تكون التضحيات الفلسطينية مكفولة ومصانة أمام أي ابتزاز سياسي، إن القوة الحقيقية للشعب الفلسطيني تكمن في توحيد الموقف الوطني وصون الكرامة الجماعية، وهو السبيل الوحيد لإيقاف أي محاولات لإضعاف صموده أو تهديد تضحياته.

قرار قطع رواتب الشهداء والأسرى هو اختبار أخلاقي ووطني للسلطة، في ظل استمرار الاحتلال وانتهاكاته، يُفترض أن تكون السلطة حامية للحقوق، لا أداة تنفيذية للإملاءات الخارجية، واستمرار هذا النهج يعمّق الانقسام ويهدم أسس التضحية الوطنية، ويبعث برسالة سلبية لكل فلسطيني مفادها أن التضحيات لا تُكرم وأن الكرامة يمكن التضحية بها.

الواجب الوطني الآن يتطلب تحركاً شعبياً ووطنياً عاجلاً، يرفض الإملاءات الخارجية ويدافع عن حقوق الشهداء والأسرى وعائلاتهم، ويقف صامداً أمام أي سياسات تهدف إلى إضعاف الكرامة الوطنية، فالسلطة منذ زمن طويلة فقدت البوصلة الأخلاقية، لكن ذلك لا يعني أن الشعب الفلسطيني سيتنازل عن قيمه، فالكرامة الوطنية لا تُباع، والتضحيات التي قدمها هي نبض القضية وأمانة الأجيال وصوت المقاومة المستمرة.

اخبار ذات صلة