قائمة الموقع

العيش في بقايا المنازل.. عائلة غزية تواجه خطر الموت مع كل شتاء

2025-12-23T09:33:00+02:00
بسام الدحدوح يعيش مع عائلته تحت بقايا منزل مدمر في غزة
فلسطين أون لاين

لم يكن بسام الدحدوح يتخيّل أن يبلغ الثالثة والخمسين من عمره وهو يعيش مع عائلته تحت بقايا منزل مدمر، محاطًا بجدران متشققة وسقف مهدد بالانهيار في أي لحظة.

في ليالي الشتاء القارس، لا يحتمي بسام وأفراد أسرته من المطر والبرد داخل بيت، بل تحت بقايا بيت، أُعيد استصلاح جزء صغير منه بوسائل بدائية لا توفر أدنى درجات الأمان.

داخل هذا المكان الهش، تتسلل مياه الأمطار من الفتحات والشقوق، وتختلط أصوات الرياح بارتطام الحجارة المتساقطة من السقف والجدران، في مشهد يضاعف شعور الخوف لدى العائلة، خاصة بعد أن شهدوا خلال المنخفضات الجوية السابقة سقوط أجزاء من المبنى، ما ينذر بخطر انهيار حقيقي يهدد حياتهم.

يقول بسام لـ "فلسطين أون لاين" وهو يشير إلى السقف: "كل منخفض بنام وأنا خايف… أي حجر ممكن يوقع علينا، اللي عملناه إصلاحات ترقيعية، ما بتصمد قدام الشتاء".

الإصلاحات التي قام بها بسام لم تتجاوز وضع بعض ألواح الزينكو لتغطية الفتحات، في ظل منع الاحتلال إدخال مواد البناء، ما يجعل المنزل غير صالح للسكن وفق أبسط معايير السلامة، خاصة مع استمرار تآكل ما تبقى من الهيكل الإنشائي.

قبل حرب الإبادة، لم يكن هذا واقع بسام فمنذ عام 2005، بنى حلمه بهدوء عبر محل لبيع الدهانات والعدد، كان مصدر الدخل الوحيد لعائلته، من عائداته علّم أبناءه، ولبّى احتياجاتهم، وبنى منزله الذي تحوّل اليوم إلى كومة من الركام.

مع اندلاع حرب الإبادة، أجبر على النزوح إلى جنوب قطاع غزة تاركاً خلفه كل شيء، وقتها قصف الاحتلال منزله في حي تل الهوا. "طلعنا وما معنا غير روحنا"، يقول، مستعيدًا مشاهد النزوح القاسية: أماكن مكتظة، برد، جوع، وشعور دائم بفقدان الكرامة، "النزوح مش بس خيمة… النزوح إنك تحس حالك بلا قيمة”.

بعد وقف إطلاق نار مؤقت، حاول العودة وترتيب حياته في بيت العائلة بحي الزيتون، لكن القصف لاحقه من جديد، فدُمّر المنزل الثاني بالكامل قبل وقف الحرب، وكأن الرسالة كانت واضحة: لا استقرار، ولا أمان.

الضربة الأقسى جاءت في الشهر الأخير من الحرب، حين استهدف الاحتلال البرج الذي يضم محل بسام، استهدف البرج بالكامل وسقط فوق البضاعة: دهانات، عدد، مواد بناء وديكورات جبس، بخسائر تُقدّر بنحو 200 ألف دولار.

وفي محاولة يائسة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أُصيب بشظية في قدمه اليمنى بعد سقوط حجر بلوك عليه، لكنه لم يشعر بالألم بقدر ما كان يشعر بالجوع والخسارة، وكل ما كان يفكر به حينها هو إنقاذ أي شيء من رزقه المحترق.

اليوم، لا يملك بسام بيتا يصلح للسكن ولا مصدر دخل، يعينه على توفير مكان ملائم للعيش له ولو حتى أبنائه الأربعة.

في الشتاء، يتحول البيت الذي يعيش فيه إلى تهديد يومي: المطر يتسرب، البرد ينهش الأجساد، والخوف من انهيار السقف لا يغيب.

“الميّة بتنزل علينا، وأنا واقف عاجز… لا قادر أرمم صح ولا أطلع”، يقول بصوت مثقل بالعجز.

تقارير رسمية

وأعلنت وزارة الداخلية في غزة أن 46 مبنى تضرر بقصف الاحتلال وانهاروا منذ سريان وقف إطلاق النار في 10 أكتوبر 2025 وحتى يوم 21 ديسمبر 2025، مما أدى إلى استشهاد 18 مواطنا نتيجة انهيار هذه المباني المتداعية على ساكنيها، فيما تستمر الأبنية المدمّرة بلا إعادة إعمار حقيقي.

وحذّر جهاز الدفاع المدني السكان من مخاطر الإقامة في المباني المتضررة، داعياً إلى إخلائها والالتزام بتعليمات فرق السلامة، خاصة مع توقعات بانخفاض درجات الحرارة وهطول أمطار في الشتاء تزيد من مخاطر انهيار الأسقف والجدران غير المستقرة.

كما أفادت بيانات صحية بأن موجات البرد الشديد أدّت إلى تسجيل مزيد من الشهداء بسبب العوامل المناخية القاسية التي تضاعف معاناة النازحين الذين يعيشون في خيام أو مبانٍ غير آمنة، بينما تستمر التحذيرات الحكومية من تفاقم الوضع الإنساني إذا لم يتم تأمين مواد الإيواء والبناء المناسبة قبل دخول الشتاء.

قصة بسام الدحدوح ليست حالة فردية، بل نموذج لآلاف العائلات التي تعيش داخل مبانٍ متضررة وآيلة للسقوط في قطاع غزة، في ظل منع الاحتلال إعادة الإعمار وحظره إدخال مواد البناء، واستمرار آثار حرب لم تتوقف نتائجها عند القصف.

في غزة، لا تنتهي الحرب حين تصمت آلة الاحتلال العسكرية فقط، بل تستمر في الجدران المتشققة، والأسقف المهددة، والقلوب التي تعيش كل شتاء على حافة الانهيار… تمامًا كما يعيش بسام، فوق الركام.

اخبار ذات صلة