قائمة الموقع

متلازمة الخيمة المبتلة في غزة… أزمة صحية تتفاقم مع الشتاء والنزوح

2025-12-22T16:07:00+02:00
صورة من الأرشيف
فلسطين أون لاين

حذّر أستاذ علوم الصحة العامة في الجامعة الإسلامية بغزة، د. عبد الرؤوف المناعمة، من تفاقم ما يُعرف بـ«متلازمة الخيمة المبتلة» في قطاع غزة، مؤكدًا أنها باتت تمثل واحدة من أخطر الأزمات الصحية الصامتة التي تهدد حياة مئات الآلاف من النازحين، مع استمرار الحرب وانهيار منظومة الإيواء والخدمات الأساسية.

وقال د. المناعمة، لصحيفة "فلسطين"، إن الحرب قلبت حياة سكان قطاع غزة رأسًا على عقب، إذ وجد مئات الآلاف أنفسهم بلا منازل، مجبرين على العيش في خيام بدائية لا توفر الحد الأدنى من الحماية من البرد أو المطر.

وأوضح أنه مع دخول فصل الشتاء وتكرار المنخفضات الجوية، بدأت تتكشف تداعيات صحية خطيرة لما يُعرف بمتلازمة الخيمة المبتلة.

وبيّن المناعمة أن هذه المتلازمة ليست مرضًا محددًا مُسجّلًا في المراجع الطبية، «بل هي حالة صحية مركّبة تنشأ نتيجة العيش لفترات طويلة في بيئة قاسية تتسم بالرطوبة الشديدة، والبرد، وسوء التهوية، والتكدس، إلى جانب الانهيار شبه الكامل للخدمات الصحية».

وأضاف أن ظهور هذه الحالة يُعد مؤشرًا خطيرًا على تدهور ظروف الإيواء وارتفاع المخاطر الصحية في مناطق النزوح.

وأشار المناعمة إلى أن الأوضاع في غزة تجعل هذه المتلازمة أكثر حدة مقارنة بمناطق كوارث أخرى، لافتًا إلى أن معظم الخيام مصنوعة من أغطية بلاستيكية خفيفة لا تصمد أمام الأمطار، وتُقام مباشرة على الأرض دون عزل، ما يسمح بتسرّب المياه والطين إلى داخلها مع كل زخة مطر.

كما أن غياب أنظمة تصريف مياه الأمطار يؤدي إلى تجمع المياه حول الخيام، وتحولها إلى بؤر رطوبة دائمة.

وأوضح أن التكدس داخل الخيام، وندرة الوقود ووسائل التدفئة، وانهيار شبكات الصرف الصحي، وانتشار المياه الملوثة في محيط مناطق النزوح، كلها عوامل حوّلت الخيام إلى بيئة مثالية لانتشار الأمراض، لا سيما في ظل صعوبة الوصول إلى الأدوية والخدمات الصحية.

وحول أبرز المشكلات الصحية المرتبطة بمتلازمة الخيمة المبتلة، أشار أستاذ الصحة العامة إلى أن أمراض الجهاز التنفسي تأتي في مقدمتها، وتشمل التهابات متكررة في الجهاز التنفسي العلوي، والتهاب القصبات، والالتهاب الرئوي، وتفاقم حالات الربو، إضافة إلى زيادة العدوى الفيروسية خلال فصل الشتاء.

وأكد أن المرافق الصحية تشهد ارتفاعًا ملحوظًا في أعداد الأطفال الذين يصلون وهم يعانون من ضيق في التنفس وسعال حاد.

كما لفت إلى انتشار واسع للأمراض الجلدية نتيجة الرطوبة المستمرة وعدم القدرة على تبديل الملابس أو الاستحمام، ما يؤدي إلى التهابات فطرية، وطفح جلدي، وتسلخات، خاصة بين الأطفال.

وأضاف أن البرد وسوء التغذية يضعفان جهاز المناعة لدى السكان، ما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المعدية، ويطيل فترة التعافي حتى من الحالات البسيطة.

ولم تغب الآثار النفسية والاجتماعية عن هذه الأزمة، إذ أوضح المناعمة أن قلة النوم، والشعور الدائم بعدم الأمان، وانعدام الخصوصية داخل الخيام، تؤدي إلى ارتفاع مستويات القلق والاكتئاب، لا سيما بين الأمهات.

وأكد أن الفئات الأكثر تضررًا من هذه الأوضاع هم الأطفال الصغار، وكبار السن، والنساء الحوامل، ومرضى الأمراض المزمنة، والأشخاص ذوو الإعاقة، نظرًا لهشاشتهم الصحية وحاجتهم إلى رعاية خاصة.

ومن منظور الصحة العامة، شدد المناعمة على أن متلازمة الخيمة المبتلة تمثل خطرًا حقيقيًا لانتشار العدوى، وتشكل عبئًا إضافيًا على منظومة صحية منهكة أصلًا، فضلًا عن كونها انتهاكًا صارخًا لأبسط معايير الإيواء الإنساني.

ودعا إلى اتخاذ إجراءات عاجلة على المدى القصير، تشمل رفع أرضيات الخيام وعزلها عن التربة، وتحسين تصريف مياه الأمطار، وتوزيع أغطية وملابس شتوية جافة، وتوفير وسائل تدفئة آمنة، إلى جانب إنشاء نقاط طبية متنقلة لرصد الحالات مبكرًا.

وعلى المدى المتوسط، طالب باستبدال الخيام الهشة بمساكن أكثر مقاومة، وتحسين التهوية، وتقليل التكدس، ودمج أنظمة لمراقبة الأمراض التنفسية والجلدية بشكل منتظم.

وختم المناعمة بالقول إن متلازمة الخيمة المبتلة في غزة ليست مشكلة موسمية عابرة، «بل أزمة صحية وإنسانية تعكس حجم الدمار الذي خلفته الحرب والنزوح القسري».

وحذّر من أن تجاهل هذه المتلازمة يعني القبول بمزيد من الأمراض والوفيات التي يمكن تفاديها، مؤكدًا أن الحل يتطلب استجابة جادة وسريعة تضع صحة الإنسان وكرامته في صدارة الأولويات.

 

اخبار ذات صلة