فلسطين أون لاين

ترامب ودبلوماسية الحلبة في فنزويلا

في احد المقالات التي كتبها كل من Tatiana Nenasheva (وهو بروفيسور في اللغويات) و Edita Merkulova( بروفيسور في علوم الاتصال) اشارا الى انهما جمعا أكثر من 300(ثلاثمائة) كنية او لقب(Nicknames) اطلقها الكتاب والصحفيون والنخب السياسية على الرئيس الامريكي الحالي دونالد ترامب، وتعكس هذه الألقاب الصورة التي رسمها علماء النفس في تقريرهم الذي اشرت له مرارا عن " مرضه النرجسي الحاد" وعن أنه شخص يبدو ان لا وعيه يزاحم وعيه في اتخاذ القرارات ، إذ تشعر انه يضرب" خبط عشواء"، ولا يولي اي عناية لآراء مستشاريه(كما اكد مستشاره السابق للامن القومي جون بولتون في كتابه الذي سبق لي ان عرضته على صفحتي)، وكما قالت عنه ابنة اخيه(وهي استاذة علم نفس) في كتابها من أنه مريض نفسيا ومن المستحيل التنبؤ بقراراته ، كما ان ترامب عاش فترة على ساحات الحلبات عندما كان "تاجرا للمصارعة" ، فهو بذلك ينطوي على منظومة نفسية تجمع بين المال(كتاجر عقارات) واللكمات(مقاول منافسات في المصارعة) والكذب(لنرجسيته المرضية) ناهيك عن حرمانه من شبق اشباع "ليبيدو"(libido) جنسي يشده الحنين له لأيام شبابه خلال مصاحبته لإبستين "تاجر الجنس" الذي يحتل الآن فضاء الاعلام .

ويبدو لي ان المماحكة التي يديرها الآن مع الرئيس الفنزويلي "مادورو" تشير الى أنه يدير سياساته طبقا للفكرة التي تسيطر عليه في لحظة معينة، ولهذه التركيبه السيكولوجية المفرطة في التعقيد ،حتى لو كانت كل الدلائل لا تشير لصحة تلك الفكرة، ويكفي ان أتوقف أولا عند موضوع اتهامه لفنزويلا بانها تقف وراء كارثة انتشار المخدرات في الولايات المتحدة، وساعرض وجهة نظري على النحو التالي:

1- طبقا للارقام الصادرة عن الهيئات الامريكية الرسمية وعن مكتب الامم المتحدة للمخدرات والجريمة ،فان الولايات المتحدة تحتل المرتبة الاولى عالميا في مجموع استهلاك المخدرات بكافة انواعها ، وان هذا المركز لها عالميا لم يتغير طبقا لأرقام مكتب برامج العدالة الامريكي منذ 1988، اي قبل وصول شافيز او مادورو للسلطة ، بل ان الارقام تشير الى ان الفترة من (وصول شافيز للسلطة)1999 الى الآن تشير الى تذبذب نسب التهريب للمخدرات مع اتجاه عام لتراجع النسبة المهربة عبر فنزويلا.

2- تشير كافة البيانات الصادرة من ا لامم المتحدة والمؤسسات الرسمية الامريكية ذات العلاقة بالمخدرات أن :

أ‌- يشير مكتب الامم المتحدة للمخدرات والجريمة الى ان 90% من الكوكايين الذي يصل الولايات المتحدة يتم انتاجه في كولومبيا والبيرو وبوليفيا والاكوادور

ب‌- كميات التهريب للمخدرات للولايات المتحدة تتم بنسبة 74% من شرق الهادئ ، بينما 16% من غرب الكاريبي وحوالي 8% من شرق الكاريبي التي تشمل فنزويلا.

ت‌- تدل التقارير الرسمية الاممية والامريكية أن المخدرات من نوع الفينتانيل يتم انتاجه الرئيسي في المكسيك ويعتمد في مادته الكيماوية الخام على الانتاج الصيني والهندي ومن ميانيمار.

ث‌- المخدر الاكثر عبورا للولايات المتحدة من فنزويلا هو الكوكايين ، لكن الاهم ان فنزويلا ليست الا معبرا لا منتجا، إذ ان 5% من انتاج كولومبيا(الاكثر انتاجا) يمر عبر فنزويلا.

ج‌- 85% من عبور المخدرات للولايات المتحدة يتم عبر المكسيك وامريكا الوسطى( اي من هندوراس وغواتيمالا والسلفادور)

ح‌- اقل من 3% من كافة انواع المخدرات تدخل عبر التهريب البحري من شرق الكاريبي الذي يشتمل على فنزويلا.

ذلك يعني- وطبقا للارقام والنسب الصادرة من هيئات امريكية رسمية او محايدة- ان فنزويلا لاعب هامشي في موضوع تهريب المخدرات الى الولايات المتحدة ، مما يعني ان "وراء الاكمة ما وراءها"، فما هو ؟

ثمة سلسلة من الفرضيات للتنبؤ بما وراء سياسات رئيس سمته الاساسية انه "Unpredictable"، :

1- العمل على تغيير النظام في فنزويلا بنظام مرتبط بالولايات المتحدة لضمان السيطرة على نفط فنزويلا، فهذه الدولة يصل حجم الاحتياطي النفطي فيها حسب تقديرات ادارة معلومات الطاقة الامريكية الى 303 مليار برميل(ثلاثمائة وثلاث مليار) وهو ما يعادل حوالي 20% من الاحتياطي العالمي، وفي الوقت الذي يحاصر ترامب خروج ودخول سفن البترول الى فنزويلا فانه ما زال يترك هامشا لشركة "شيفرون" الامريكية لشحن النفط من فنزويلا.

2- توظيف الحجج الواهية لتبرير التحرش بفنزويلا لتغيير نظامها المعادي للولايات المتحدة ، وكما فعل الرئيس جورج بوش مع الرئيس البنمي السابق مانويل نورييغا عام 1989(الذي تؤكد كافة المراجع انه كان عميلا مهما للغاية للسي آي ايه)، فقد استغل بوش حادثة مقتل ضابط بحرية امريكي من قبل قوات بنامية لاعلان الحرب على بنما واعتقال رئيسها .

3- من الضروري التذكير بان قضية قناة بنما كانت من ضمن الموضوعات التي طرحها ترامب مبكرا، وطالب بالسيطرة عليها بحجج مساهمة بلاده في شق القناة من جانب، وبسبب ما يراه ترامب من منافع تجنيها الصين باستخدام وتشغيل القناة من جانب آخر ، ولما كان مادورو من حلفاء الصين ، فيبدو ان ترامب يراهن على التضييق على المكاسب الصينية من خلال تضييق فضاء التمدد الصيني في امريكا اللاتينية. ومن الضروري التذكير بانه منذ 1977 كان هناك تفاوض لاقرار الولايات المتحدة بالسيادة الكاملة لبنما على القنال، وهو الامر الذي يبدو ان ترامب لا يوافق عليه.

4- من بين "النبش التاريخي" الذي يمارسه ترامب ضد فنزويلا هو الترويج بان مناطق من دولة غويانا المجاورة لفنزويلا هي اراض سيطرت عليها فنزويلا ويجب اعادتها.

سنياريوهات المستقبل للأزمة:

كما اشرت فان من المغامرة توقع سلوك شخص " غير قابل للتنبؤ"، ولكن يمكن رسم ملامح الاحتمالات للأزمة على النحو التالي:

أ‌- تكثيف الحملات الاعلامية والنفسية للضغط على مادورو ،وقد بدأ بعض ذلك، مثل رصد مكافاة 50 مليون دولار لمن يحضر مادورو للمحاكمة، ثم ترويج اتهامات له بتزوير الانتخابات عام 2024 ، ناهيك عن ما اشرت له من تهريب مخدرات والسيطرة على اجزاء من غويانا.

ب‌- تصعيد الحصار الاقتصادي وبخاصة على شحنات تصدير النفط(عماد الاقتصاد الفنزويلي) بخاصة ان معدل دخل الفرد الفنزويلي تراجع منذ فترة شافيز الى الآن بنسبة تصل الى 72%، ناهيك عن تفاقم التضخم واتساع الهجرة من فنزويلا، مع الاشارة الى ان الحصار والعقوبات بدأت منذ 2019.

ت‌- العمل على تأجيج الوضع الداخلي لايصال فنزويلا الى حالة الحرب الاهلية من خلال استمرار التشكيك في نتائج الانتخابات ،واستمرار دعم زعيم المعارضة خوان غوايدو(Juan Guaido) الذي يزعم تزوير مادورو الانتخابات ومنع غوايدو من خوضها وترك مرشح مستقل وضعيف لمنافسته .

ث‌- التدخل العسكري المباشر : رغم ان مساحة فنزويلا تصل الى اكثر من ضعف مساحة العراق ،وبعدد سكان يقارب 30 مليونا ، الا ان بعض المؤشرات تحمل دلائل على ان هذا الاحتمال سيبقى مرفوعا دون تنفيذ لاسباب:

1- الضغط على مادورو من اجل اجراء انتخابات رئاسية تحت اشراف هيئات دولية.

2- اجباره على التراجع عن المناطق التي يرى ترامب انها اراض غويانية.

3- قد يأمل بنفي مادورو الى روسيا كما جرى مع بشار الاسد، فقد صرح ترامب بان "أيام مادورو معدودة" وابقى خيار التدخل البري مفتوحا ولم يستبعده، كما ان استراتيجيته التي نشرها تتضمن اشارة الى مساندة كل من يتبنى المبادئ والاستراتيجية الغربية.

4- احتمال العمل على اثارة الاضطرابات الداخلية، فقد طلب ترامب من السي آي ايه توسيع عملياتها السرية في فنزويلا.

لكن من غير المستبعد التنفيذ ،ويبدو ان فشل الديمقراطيين في الحصول على موافقة الكونجرس بحصر قرار الحرب بيد الكونجرس وسع مساحة فضاء القرار لترامب ،ولوان الفارق كان صوتين( رغم ان احد الجمهوريين صوت مع القرار).

لكن نشوب الحرب في فنزويلا قد ينطوي على تحسين الفرص لمزيد من التفوق لروسيا في اوكرانيا، كما انه يشكل فرصة للصين لمزيد من الضغط على تايوان .

المصدر / فلسطين أون لاين