فلسطين أون لاين

أزمة دواء بلا أفق.. مرضى غزة يواجهون الحرب والحصار والشتاء بلا حول ولا قوة

...
شح الأدوية في قطاع غزة جراء عدم سماح الاحتلال بإدخال المستلزمات الطبية
غزة/ عبد الرحمن يونس

بعد أكثر من عامين على حرب الإبادة التي شنّها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، لم تتوقف فصول المعاناة عند حدود القصف والدمار والنزوح، بل امتدّت لتصل إلى حقّ الإنسان الأوّل: العلاج. ففي مستشفيات شبه معطّلة، وصيدليات خاوية، ومراكز إيواء تفتقر لأبسط مقوّمات الحياة، تتفاقم أزمة نقص الأدوية لتتحول إلى خطر يومي يهدد حياة آلاف المرضى، خصوصًا مع دخول فصل الشتاء، واستمرار الاحتلال في التنصّل من التزاماته المتعلقة بإدخال الإمدادات الطبية ضمن اتفاق وقف إطلاق النار.

المدير الطبي لمستشفى الكويت التخصصي الميداني، جمال الهمص، يصف المشهد الصحي في غزة بأنه “الأخطر منذ بداية الحرب”، مؤكدًا أن المستشفى اضطر إلى إيقاف خدمات العمليات الجراحية الطارئة والمجدولة، بسبب العجز الحاد في المستلزمات الطبية واستمرار إغلاق المعابر.

ويقول الهمص لـ "فلسطين أون لاين"، إن المستشفى كان يستقبل يوميًا نحو 35 عملية جراحية في مختلف التخصصات، من بينها سبع عمليات ولادة، إلا أن نفاد المستلزمات الأساسية، وعلى رأسها المحلول الملحي، أجبر الطواقم الطبية على تعليق هذه الخدمات، ما يعرّض حياة المرضى لمضاعفات خطيرة.

ويضيف: “المحلول الملحي عنصر أساسي في معظم العمليات، خاصة جراحات المسالك البولية، واليوم لا نملك منه شيئًا. هذا يعني أننا نقف عاجزين أمام حالات كان يمكن إنقاذها بسهولة في الظروف الطبيعية”.

من جهته، يحذّر رئيس وحدة المعلومات في وزارة الصحة بغزة، زاهر الوحيدي، من أن الأزمة الدوائية وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، مشيرًا إلى أن نسبة العجز بلغت 52% في الأدوية الأساسية، و71% في المستهلكات الطبية، فيما سجلت الفحوصات المخبرية وبنوك الدم نقصًا بنسبة 59%.

ويؤكد الوحيدي أن هذا العجز انعكس مباشرة على خدمات الطوارئ والعناية المركزة والعمليات الجراحية، في ظل نقص حاد في الأدوية المنقذة للحياة، مثل المضادات الحيوية، والمسكنات، والمحاليل الوريدية.

ولا تقف الأزمة عند هذا الحد، إذ يكشف الوحيدي أن 650 مريض غسيل كلى، و1000 مريض أورام، و288 ألف مريض رعاية أولية باتوا معرضين لمضاعفات صحية خطيرة، إضافة إلى توقف القسطرة القلبية بالكامل، وتعليق 99% من عمليات العظام المجدولة، وتقديم خدمات عيون محدودة للغاية.

في حي النصر شمال مدينة غزة، يقول المواطن محمود بلبل إنه أمضى أيامًا طويلة يتنقل بين الصيدليات بحثًا عن مضاد حيوي لطفله المصاب بالتهاب حاد في الصدر، دون جدوى.

يضيف بحسرة: “كنت أخرج من صيدلية لأخرى، وكلهم يقولون نفس الجملة: غير متوفر. ابني كان يسعل ليل نهار، وأنا عاجز عن مساعدته. شعرت أن المرض أخطر من القصف”.

أما عيسى العمودي من مخيم الشاطئ، فيروي واحدة من أكثر الشهادات قسوة. يقول إنه اضطر إلى الخضوع لعملية بتر في إصبعه المصاب بالسكري دون مخدّر، بسبب نفاد المواد الطبية اللازمة.

“قالوا لي إما البتر الآن أو ينتشر الالتهاب”، يروي بصوت متعب، مضيفًا: “تحملت الألم لأنني أردت أن أعيش. هذا ليس علاجًا… هذا نجاة مؤقتة”.

وفي أحد مراكز الإيواء غرب غزة، يجلس النازح محمد ابو عميرة، وهو مريض قلب، ينتظر معجزة صغيرة: علبة دواء. يقول إنه انقطع عن علاجه منذ أسابيع، بعد نفاد الدواء من الصيدليات والمراكز الطبية.

“القلب لا ينتظر”، يقول بقلق، “كل ليلة أنام وأنا خائف ألا أستيقظ. نازح بلا بيت، وبلا دواء”.

ومع انخفاض درجات الحرارة، وتفشي أمراض الشتاء، تتضاعف المخاطر، خاصة على الأطفال وكبار السن والنازحين في الخيام. ويحذّر الوحيدي من أن 110 آلاف طفل يعانون سوء التغذية، بينهم 9500 حالة سوء تغذية حاد، فيما تعاني 42% من النساء الحوامل من فقر الدم، ما ينذر بكارثة صحية طويلة الأمد.

وتؤكد وزارة الصحة أن الاحتلال لا يسمح إلا بإدخال أقل من 30% من الاحتياجات الطبية الشهرية، في خرق واضح لبنود وقف إطلاق النار، ما يجعل الأزمة مفتوحة على سيناريوهات أكثر قتامة.

وفي ظل هذا الواقع، تتحول غزة إلى مكان يُختبر فيه الجسد البشري بأقصى درجات القسوة، حيث لا يموت الناس فقط بالقصف، بل أيضًا بنقص الدواء، وتأجيل العلاج، وانتظار فتح معبر قد لا يُفتح.

في غزة، الشتاء ليس فصل برد فقط… بل موسم آخر من الألم.

المصدر / فلسطين أون لاين