في توقيت بالغ الحساسية، وبينما تواصل دولة الاحتلال حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني، وتواجه عزلة سياسية وضغوطًا اقتصادية غير مسبوقة، أعلنت حكومة بنيامين نتنياهو إقرار أكبر صفقة غاز في تاريخها مع مصر، في خطوة اعتبرها خبراء اقتصاديون طوق نجاة سياسيًا واقتصاديًا للاحتلال، ووجهًا آخر من أوجه نهب الثروات الفلسطينية وفرض وقائع جديدة على خريطة أمن الطاقة في المنطقة.
وقد وافقت حكومة الاحتلال على صفقة غاز بقيمة 112 مليار شيكل، يُخصص منها 58 مليار شيكل لخزينة الدولة.
وقال الاقتصادي خالد أبو عامر إن الاتفاق جاء في ظل حرب الإبادة الإسرائيلية، التي شهدت – وربما يمكن القول – أكبر حملة مقاطعة دولية تتعرض لها دولة الاحتلال، تقودها منظومات دولية واتحادات ودول وكيانات سياسية.
وأوضح أبو عامر لصحيفة "فلسطين" أن اتفاق الغاز الطبيعي برز في هذا السياق بوصفه ضربة سياسية معاكسة وطوق نجاة قُدِّم لحكومة بنيامين نتنياهو، التي كانت في أمسّ الحاجة إلى مثل هذه الفرصة، في ظل الضغوط السياسية والاقتصادية المتصاعدة داخليًا وخارجيًا.
وأضاف أن خطورة الاتفاق لا تتوقف عند بعده الاقتصادي، بل تمتد إلى دلالاته السياسية والإقليمية، خاصة أنه يأتي رغم الوزن السياسي والاقتصادي الذي تمثله مصر، وما لذلك من انعكاسات مباشرة على أسواق الطاقة وأمنها في المنطقة.
وأشار إلى أن هذا التطور يعيد إلى الأذهان اتفاقيات سابقة مماثلة في الأثر، أبرزها الاتفاق الذي جرى بين الأردن ودولة الاحتلال بشأن توريد المياه العذبة، ثم لاحقًا توريد الكهرباء.
وبيّن أبو عامر أن التجربة الأردنية كشفت كيف حاولت دولة الاحتلال استغلال ملفات المياه والطاقة كورقة ضغط وابتزاز سياسي، خاصة في ملف الوصاية الأردنية على المسجد الأقصى، إلى جانب ملفات سياسية أخرى، مؤكدًا أن الحالة المصرية اليوم باتت قريبة إلى حدٍّ كبير من المسار الذي وصلت إليه الأردن.
كما أشار إلى أن الاحتلال سعى إلى تأجيل تنفيذ الاتفاق أكثر من مرة، رغم أن مصر مرّت خلال العام الجاري بأزمة غاز خانقة، اضطرتها إلى استيراد الغاز عبر الشاحنات من دول أخرى بأسعار مضاعفة، وصلت إلى ضعفي وثلاثة أضعاف السعر الطبيعي.
وأكد أن هذا السلوك يطرح تساؤلات خطيرة حول دوافع التأجيل وتوقيته، وما إذا كان يُستخدم كأداة ضغط سياسية.
وشدد أبو عامر على أن خطورة الاتفاق تكمن في سعي الاحتلال إلى ضمان بقاء الموقف المصري منحازًا أو أقل تشددًا في ملف حقوق الغاز قبالة سواحل قطاع غزة.
وأوضح أن الاحتلال يتذرع بأن مصر تحصل على حصص من الغاز، وأن أي مساس بالإنتاج الإسرائيلي سينعكس مباشرة على أمن الطاقة المصري، ما قد يدفع القاهرة إلى تبنّي مواقف أكثر حذرًا في هذا الملف.
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي د. سمير الدقران إن مخططات الاحتلال بدأت تتكشف بشكل متزايد، خاصة تلك التي تقف خلفها دوافع اقتصادية واضحة، مؤكدًا أن جوهر هذه المخططات يتمثل في السعي للسيطرة على موارد الطاقة في المنطقة.
وحذّر الدقران، في حديثه لـ"فلسطين"، من سرقة الاحتلال لحقوق الفلسطينيين في الغاز الطبيعي، مشيرًا إلى أن غاز غزة يُعد من أجود أنواع الغاز في شرق البحر المتوسط، لما يتمتع به من نقاوة عالية وتكلفة استخراج منخفضة، إضافة إلى قربه الجغرافي من الأسواق الإقليمية والأوروبية.
وأكد أن هذه المميزات تجعل من حقول غزة الغازية موردًا استراتيجيًا كان من شأنه إنقاذ الاقتصاد الفلسطيني ومنحه قدرًا من الاستقلال في قطاع الطاقة.
ودعا الدقران الفلسطينيين إلى المطالبة بحقوقهم المشروعة في ثرواتهم الطبيعية، وعلى رأسها الغاز الطبيعي، مشددًا على ضرورة توحيد الجهود الرسمية والشعبية، والعمل عبر الأطر القانونية والدبلوماسية الدولية، لمواجهة محاولات السطو على هذه الموارد، باعتبارها حقًا سياديًا لا يسقط بالتقادم.
وتشير التقديرات إلى أن حقول الغاز قبالة سواحل غزة تحتوي على نحو 30 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي القابل للاستخراج، بقيمة اقتصادية تُقدَّر بعشرات المليارات من الدولارات، ما يجعلها موردًا استراتيجيًا قادرًا على تعزيز استقلالية الاقتصاد الفلسطيني وتحقيق الأمن الطاقي.

