عمّق المنخفض الجوي الذي ضرب قطاع غزة خلال الأيام الماضية معاناة أصحاب البسطات التجارية، بعدما تحولت شوارع مدينة غزة إلى أسواق مفتوحة بفعل تدمير معظم المحال التجارية خلال الحرب، لتغرق هذه البسطات مع أول هطول غزير للأمطار، وسط اختلاط مياه الأمطار بمياه الصرف الصحي، وتعطّل الحركة والمواصلات.
وبحسب مشاهدات ميدانية، تحولت شوارع رئيسة، مثل سوق الصحابة وشارع الوحدة إلى برك مائية وسيول جارفة، ما ألحق أضرارًا مباشرة بالبضائع، ورفع تكاليف النقل، وانعكس بشكل فوري على أسعار الخضار والسلع الأساسية في الأسواق الشعبية.
عمل قسري
في سوق الصحابة وسط مدينة غزة، اضطر أبو عبيدة النخالة، صاحب بسطة خضار وفواكه، إلى العمل تحت المطر المتواصل رغم خطورة الظروف. ويقول النخالة: "اضطررت للعمل تحت المطر لأن البضاعة متراكمة لدي منذ ثلاثة أيام، وعدم البيع يعني خسارة كاملة، خاصة أن الخضار لا تتحمل التخزين في هذه الظروف. ومع اشتداد الأمطار ووعورة الشوارع، لم يتمكن الناس من الوصول إلى السوق، وكانت المواصلات شبه معدومة".
ويضيف النخالة لصحيفة "فلسطين" أن اختلاط مياه الأمطار بمياه الصرف الصحي التي تطفو في السوق يسرّع تلف الخضار، ويجعل البيع مخاطرة صحية واقتصادية في آن واحد، في ظل غياب أي وسائل حماية أو تخزين ملائمة.
صرف مكشوف
وتفاقمت أزمة الأسواق مع تضرر واسع في شبكات تصريف مياه الأمطار والصرف الصحي داخل مدينة غزة. وفي هذا السياق، قالت بلدية غزة – دائرة الإعلام – في تصريح صحفي: "تعاني مدينة غزة من أضرار واسعة في شبكات تصريف مياه الأمطار والصرف الصحي نتيجة القصف المتكرر ونقص الإمكانيات، ما يؤدي إلى تجمع المياه في الشوارع والأسواق مع كل منخفض جوي. إن اختلاط مياه الأمطار بمياه الصرف الصحي يعود إلى تضرر الخطوط الرئيسية وخروج أجزاء كبيرة من الشبكة عن الخدمة".
وأضافت البلدية: "نعمل ضمن الإمكانيات المتاحة على فتح المناهل المسدودة والتدخل في النقاط الأكثر تضررًا، إلا أن حجم الدمار يفوق قدراتنا الحالية في ظل نقص المعدات ومواد الصيانة، ونوجّه نداءً عاجلًا للجهات المعنية والمؤسسات الدولية لتقديم دعم فوري".
نقل متوقف
إلى جانب غرق الشوارع، واجه التجار أزمة حادة في النقل، إذ تراجع عدد المركبات العاملة خلال أيام المنخفض، وامتنع كثير من السائقين عن المجازفة بالخروج في الطرق الغارقة والحفر المخفية تحت مياه الأمطار، خشية تعطل مركباتهم.
ويؤكد أصحاب بسطات أن أجور النقل ارتفعت بشكل ملحوظ، ما أدى إلى زيادة تكلفة إدخال البضائع إلى الأسواق. وفي هذا السياق، يقول أبو عبيدة النخالة: "تكلفة النقل تضاعفت خلال المنخفض بسبب قلة المركبات ورفض السائقين المخاطرة، وهذه الزيادة تُحمَّل مباشرة على سعر الخضار، حتى في ظل ركود الطلب وضعف القدرة الشرائية، ما يضغط علينا كتجار صغار ويضغط على المستهلك في الوقت نفسه".
تلف وخسارة
في شارع الوحدة غرب مدينة غزة، تكبّد أبو رائد عطا الله، صاحب بسطة لبيع المسليات والسكاكر والشوكولاتة، خسائر مباشرة بسبب الأمطار. ويقول: "غمرت مياه الأمطار الشارع بالكامل، واخترقت المياه الشادر من الأعلى ونزلت كالشلال، ما أدى إلى تلف علب الكرتون والبضائع داخلها، وتكبّدت خسائر مباشرة".
ويضيف عطا الله لـ"فلسطين": "عدم نزولي إلى السوق خلال أيام المطر يضاعف الخسارة، لأن كل يوم بلا بيع يعني خسارة إضافية، خاصة أن بعض السلع تنخفض أسعارها لاحقًا، فنضطر للبيع بأقل من سعر الشراء".
قفزات سعرية
المواطن محمود إسليم تفاجأ بارتفاع حاد في أسعار الخضار خلال يوم المنخفض. ويقول: "تفاجأت بارتفاع كبير في الأسعار. قبل المنخفض كنت أشتري أربعة كيلوغرامات من الخيار بعشرة شواقل، لكن في يوم واحد أصبح سعر الكيلو عشرة شواقل، وارتفع سعر البندورة من خمسة شواقل إلى 12 شيقلًا، وهو عبء لا تستطيع كثير من العائلات تحمّله".
وتقول المواطنة أم أحمد السرساوي، من سكان مدينة غزة، إن الوصول إلى السوق بات مهمة شاقة خلال المنخفض، موضحة: "الشوارع مغمورة بالمياه، والمواصلات شبه معدومة، ومع ارتفاع الأسعار اضطررنا إلى تقليص الكميات وشراء الأساسيات فقط".
وتشير متابعات محلية إلى أن الأسواق الشعبية والبسطات باتت تشكّل اليوم العمود الفقري للنشاط التجاري في مدينة غزة، في ظل الدمار الواسع الذي طال البنية التجارية.
ومع كل منخفض جوي، تتجدد الخسائر في سوق يفتقر فيه التجار الصغار إلى أي مظلة حماية أو تعويض، ما يجعل الطقس عاملًا إضافيًا في تعميق الأزمة المعيشية والاقتصادية في القطاع.

