فلسطين أون لاين

تقرير الاحتلال يحاصر الأونروا بالخدمات ويعمِّق مأساة اللَّاجئين

...
صورة من الأرشيف
غزة / جمال غيث- عبد الله التركماني:

في خطوة وُصفت بأنها تصعيدية وخطيرة، صادقت ما تُسمّى لجنة الخارجية والأمن في كنيست الاحتلال الإسرائيلي على مشروع قرار يقضي بحظر تزويد مقرات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بالخدمات الأساسية، وعلى رأسها المياه والكهرباء، في إجراء اعتبره مختصون ومؤسسات فلسطينية استهدافًا مباشرًا للدور الإنساني الذي تضطلع به الوكالة الأممية تجاه ملايين اللاجئين الفلسطينيين.

ويُشار إلى أن لجنة الخارجية والأمن في كنيست الاحتلال صادقت، يوم الثلاثاء الماضي، بالإجماع على مشروع قانون يمهّد لإقراره بالقراءتين الثانية والثالثة، ويهدف إلى وقف نشاط الأونروا في قطاع غزة ومناطق السلطة الفلسطينية.

وينص المشروع على اعتبار تزويد مقرات الوكالة بالكهرباء والمياه عملًا محظورًا، كما يمنع مزودي الخدمات من الاستمرار في تزويد أي عقار مسجل باسم الأونروا، ويمنح سلطات الاحتلال صلاحية وضع اليد على العقارات التي تستخدمها الوكالة، بزعم أنها «أملاك دولة إسرائيل».

محاولة مكشوفة

وقال المختص في شؤون اللاجئين سعيد سلامة إن قرار لجنة الخارجية والأمن في الكنيست يمثل خطوة تصعيدية بالغة الخطورة، ويأتي ضمن سلسلة من الإجراءات العقابية التي تنتهجها سلطات الاحتلال بحق وكالة الأونروا، في محاولة مكشوفة لتقويض دورها وإنهاء وجودها.

وأوضح سلامة، لصحيفة "فلسطين"، أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أُنشئت عام 1949 بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، لتقديم الخدمات الإنسانية الأساسية للاجئين الفلسطينيين إلى حين نيلهم حقوقهم الكاملة، وفي مقدمتها حق العودة وفق القرار الأممي رقم 194، مؤكدًا أن المجتمع الدولي وحده هو الجهة المخوّلة باتخاذ أي قرارات تتعلق بمستقبل الوكالة أو استمرار عملها.

وأشار إلى أن قيام الجمعية العامة للأمم المتحدة بتجديد تفويض الأونروا لثلاث سنوات إضافية يشكّل دليلًا واضحًا على اعتراف المجتمع الدولي بأهمية استمرار عمل الوكالة، في مقابل محاولات الاحتلال المتواصلة منذ سنوات لفرض قيود وعراقيل أمام عملها، سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة أو القدس المحتلة.

ولفت سلامة إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يسعى منذ فترة طويلة إلى إغلاق مقرات الأونروا ومنعها من ممارسة مهامها الإنسانية، في انتهاك صريح لمذكرات التفاهم الموقعة مع الأمم المتحدة، مؤكدًا أن الاحتلال لا يملك أي صلاحية قانونية أو أخلاقية لاتخاذ قرارات تمسّ عمل الوكالة أو وجودها.

غزة في قلب الكارثة

وشدّد سلامة على أن قطاع غزة، في ظل حرب الإبادة الجماعية المستمرة، يعيش أوضاعًا إنسانية كارثية وغير مسبوقة، حيث يعاني السكان من نسب مرتفعة من الفقر والبطالة، وانهيار شبه كامل في القطاعات الصحية والتعليمية والخدمية، نتيجة التدمير الواسع للبنية التحتية.

وبيّن أن سكان القطاع يواجهون نقصًا حادًا في الغذاء والمياه الصالحة للشرب والرعاية الصحية والتعليم، مؤكدًا أن الأونروا كانت وما زالت تشكّل شريان حياة أساسيًا لملايين اللاجئين الفلسطينيين، وأن تقييد عملها في هذا التوقيت يُعد مشاركة مباشرة في تعميق المعاناة الإنسانية.

ودعا المختص في شؤون اللاجئين المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى التحرك العاجل للتصدي لهذه السياسات الإسرائيلية، وإجبار الاحتلال على الالتزام بالقانون الدولي الإنساني، مطالبًا الدول العربية والدول المانحة بزيادة دعمها المالي للأونروا لضمان استمرار خدماتها الحيوية.

استهداف الأونروا

بدوره، أكد مدير المكتب التنفيذي للاجئين الفلسطينيين في مخيمات الضفة الغربية ناصر شرايعة أن القرار الإسرائيلي الجديد يمثل حلقة إضافية في الهجمة الممنهجة التي تستهدف وكالة الأونروا، بهدف شطب قضية اللاجئين وتقويض الشاهد الدولي على نكبة الشعب الفلسطيني منذ عام 1948.

وأوضح شرايعة، لـ"فلسطين"، أن الاحتلال يعمل منذ سنوات على فرض وقائع جديدة على الأرض، من خلال إغلاق مراكز الأونروا، ومنع الطلبة من الوصول إلى مدارسهم، ووقف الخدمات الإغاثية، في محاولة لإنهاء دور الوكالة في الضفة الغربية وقطاع غزة، بدعم مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية.

وأضاف أن استهداف الأونروا يأتي في إطار مخططات التهجير والتجويع التي تنتهجها حكومة الاحتلال، لمعاقبة الوكالة على مواقفها الرافضة لسياسات الإبادة والتهجير القسري، مطالبًا المجتمع الدولي والأمم المتحدة بتحمل مسؤولياتهما القانونية والأخلاقية، ووضع حد للاستهداف المنهجي للوكالة.

ودعا اللاجئين الفلسطينيين في مختلف أماكن وجودهم في الضفة الغربية وقطاع غزة والدول المضيفة إلى تنظيم وقفات واعتصامات جماهيرية، للضغط على حكومات الدول التي يقيمون فيها، وحثّها على تحمّل مسؤولياتها تجاه وكالة الأونروا، ومنع أي إجراءات من شأنها تعطيل خدماتها، وضمان استمرار عملها إلى حين عودتهم إلى ديارهم التي هُجّروا منها، وفقًا لقرار إنشاء الوكالة والقرارات الدولية ذات الصلة.

من جانبه، عد مدير عام الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين علي هويدي قرار كنيست الاحتلال الإسرائيلي حظر تزويد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بالخدمات الأساسية من كهرباء ومياه، "يمثل تصعيدا خطيرا وغير مسبوق في سياق الهجمة الصهيونية الممنهجة على الوكالة ودورها الإنساني والقانوني تجاه اللاجئين الفلسطينيين".

وأوضح هويدي لـ"فلسطين" أن هذا القرار لا يمكن فصله عن المساعي الإسرائيلية المستمرة لتقويض عمل أونروا وتجفيف مصادر بقائها تمهيدا لشطب قضية اللاجئين وحق العودة من الوعي السياسي والقانوني الدولي، مضيفا "إن الاحتلال ينتقل اليوم من التحريض السياسي والإعلامي إلى إجراءات تشريعية عقابية تستهدف الوجود الميداني للوكالة ومقارها وخدماتها الأساسية بما يشكل خرقا صارخا للقانون الدولي واتفاقيات الأمم المتحدة".

واعتبر هويدي منع تزويد مقرات أونروا بالمياه والكهرباء هو شكل من أشكال العقاب الجماعي ويكشف عن نية مبيتة لخنق عمل الوكالة ودفعها قسرا إلى التوقف عن أداء مهامها الإنسانية في وقت يعيش فيه اللاجئون الفلسطينيون واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في تاريخهم، وقال إن هذا القرار "يأتي ضمن منظومة متكاملة من سياسات التهجير والتجويع التي تنتهجها حكومة الاحتلال بدعم سياسي وعسكري أميركي واضح بهدف كسر صمود الشعب الفلسطيني ودفعه إلى الهجرة القسرية."

وأكد هويدي أن الاحتلال يعاقب أونروا لأنها ما زالت تشكل شاهدا أمميا على جريمة الاقتلاع المستمرة منذ نكبة 1948 "ولأنها رفضت الانخراط في مخططات التهجير والإبادة ولم تتخل عن مسؤولياتها تجاه اللاجئين رغم الضغوط الهائلة"، وقال إن استهداف الوكالة اليوم "هو استهداف مباشر لملايين اللاجئين وحقوقهم الأساسية في التعليم والصحة والإغاثة والحياة الكريمة".

وشدد مدير عام الهيئة 302 على أن ما يجري هو محاولة لإعادة تعريف العمل الإنساني وفق الرؤية الصهيونية التي تجرم الإغاثة وتكافئ القتل والحصار، وأضاف أن الاحتلال يسعى إلى فرض وقائع جديدة على الأرض عبر تفكيك المؤسسات الدولية التي لا تزال تحافظ على الحد الأدنى من الحماية للاجئين الفلسطينيين.

وطالب هويدي المجتمع الدولي والأمم المتحدة بتحمل مسؤولياتهم القانونية والأخلاقية وعدم الاكتفاء ببيانات القلق والاستنكار وقال "إن الصمت الدولي شجع الاحتلال على المضي قدما في سياساته العدوانية"، داعيا إلى تحرك عاجل وفاعل لوقف الاستهداف الممنهج لأونروا وضمان حماية منشآتها وموظفيها واستمرار تمويلها دون شروط سياسية.

وختم هويدي بالقول إن استمرار أونروا في أداء رسالتها الإنسانية "لم يعد مسألة إغاثية فقط بل معركة دفاع عن القانون الدولي وحقوق الإنسان وحق العودة"، مؤكدا أن الوكالة مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بالثبات على ولايتها والقيام بدورها الكامل في خدمة اللاجئين الفلسطينيين في ظل كارثة إنسانية غير مسبوقة سببها الاحتلال وسياساته القائمة على الحصار والتجويع والتهجير.

 

المصدر / فلسطين أون لاين