حذّر خبراء اقتصاديون من تداعيات خطيرة لقرار الكنيست الإسرائيلي التصديق نهائيًا على قانون يقضي بوقف نشاط وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، مؤكدين أن القرار لا يحمل أبعادًا سياسية وإنسانية فحسب، بل يشكّل صدمة اقتصادية عميقة ستطال الاقتصاد الفلسطيني والدول المضيفة.
وقال الخبير الاقتصادي د. وليد الجدي إن أي تغيير في وضع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في قطاع غزة لن يكون له أثر مباشر في الوقت الراهن، نظرًا لأن حالة الاستهداف السياسي والعداء للوكالة قائمة منذ أكثر من عامين، ما انعكس سابقًا على مستوى الخدمات المقدمة في القطاع، وأدى إلى تراجع فعلي في دورها هناك.
وأوضح الجدي لـ "فلسطين أون لاين" أن الصورة تختلف كليًا في الضفة الغربية، حيث سيكون الأثر بالغ الخطورة على مختلف مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية في حال المضي قدمًا في تقليص عمل الأونروا أو وقف تمويلها.
وأضاف أن الحديث يدور عن تقليص يقارب ثلث الميزانية العامة للأونروا في فلسطين، الأمر الذي سيترتب عليه إغلاق عشرات المدارس والوحدات الصحية ومراكز الإغاثة، ما سيخلق فراغًا كبيرًا في الخدمات الأساسية المقدمة للاجئين.
وأشار الجدي إلى أن هذا الفراغ لن يبقى دون تغطية، إذ ستُجبر السلطة الفلسطينية على التدخل وتحمل المسؤولية، وهو ما يعني زيادة الأعباء الاقتصادية والمالية على ميزانية السلطة، التي تعاني أصلًا من أزمات متراكمة وعجز مالي مزمن، في ظل تراجع المساعدات الخارجية واستمرار الاقتطاعات الإسرائيلية.
وكانت صحيفة يسرائيل هيوم قد ذكرت أن حكومة الاحتلال وضعت مجموعة من الشروط الأساسية ضمن التحركات الدولية الهادفة إلى نقل إدارة قطاع غزة إلى السلطة الفلسطينية، وتشمل هذه الشروط إلغاء صفة اللاجئ عن جميع الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وحل وكالة الأونروا، وتحويل المخيمات إلى أحياء مدنية عادية، إضافة إلى تحميل السلطة الفلسطينية المسؤولية الكاملة عن إدارة شؤون السكان.
وأعرب الجدي عن اعتقاده بأن المنظومة الدولية لن تسمح بانهيار دور الأونروا، متوقعًا صدور قرار أممي معاكس للتوجهات التي تسعى إليها حكومة الاحتلال، خاصة في ظل المواقف الدولية السابقة الداعمة للوكالة.
ولفت إلى أن الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت قبل نحو ثلاثة أشهر قرارًا يؤكد استمرار عمل الأونروا في مناطق السلطة الفلسطينية، بدعم وتصويت 172 دولة، مقابل اعتراض ست دول فقط، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية.
وأكد الجدي أن المرحلة المقبلة قد تشهد تحركًا دوليًا أكثر قوة، مرجحًا لجوء المجتمع الدولي إلى مجلس الأمن الدولي لإصدار قرار خاص بحماية عمل الأونروا وضمان استمرار تمويلها، معتبرًا أن فرص تمرير مثل هذا القرار دون استخدام الفيتو الأمريكي تبدو قائمة في ظل التوازنات السياسية الدولية الحالية.
وأوضح أن الولايات المتحدة لا تملك في هذه المرحلة الحساسة مصلحة مباشرة في الدخول في مواجهة مع روسيا والصين داخل مجلس الأمن، ما قد يدفعها إلى التعامل بمرونة أكبر مع أي مشروع قرار دولي يتعلق بالأونروا، خاصة إذا حظي بإجماع دولي واسع.
وختم الجدي حديثه بالتأكيد أن البعد السياسي الكامل لهذه التطورات سيتضح خلال الأيام المقبلة، مشيرًا إلى أن مصير الأونروا لم يعد قضية إنسانية فقط، بل أصبح ملفًا سياسيًا دوليًا بامتياز، تتقاطع فيه المصالح الدولية مع حقوق ملايين اللاجئين الفلسطينيين الذين يعتمدون على خدمات الوكالة في مختلف مناحي حياتهم.
ومن جهته، أكد الخبير الاقتصادي د. نور أبو الرب أن الأونروا تمثل أحد أهم أعمدة الاقتصاد الفلسطيني، لا سيما في قطاع غزة، مشيرًا إلى أن الوكالة تضخ سنويًا مئات ملايين الدولارات في السوق المحلية عبر الرواتب والخدمات والمشتريات.
وأضاف أبو الرب لـ"فلسطين أون لاين" أن وقف نشاط الأونروا يعني سحب كتلة نقدية كبيرة من اقتصاد هش أصلًا، ما سيقود إلى انكماش حاد، وتراجع في الاستهلاك، وتعميق حالة الركود، خصوصًا في قطاع غزة الذي يعتمد اقتصاده بدرجة كبيرة على الإنفاق الإغاثي.
وبيّن أن الأونروا تُعد من أكبر المشغّلين للفلسطينيين، وأن توقفها سيؤدي إلى فقدان عشرات الآلاف من فرص العمل المباشرة، فضلًا عن آلاف الوظائف غير المباشرة المرتبطة بها.
وحذّر من أن خروج هذا العدد الكبير من الموظفين من الدورة الاقتصادية سيؤدي إلى تراجع القدرة الشرائية للأسر، وانخفاض الطلب الكلي، ما سينعكس سلبًا على القطاعات التجارية والخدمية.
ولا تقتصر الآثار الاقتصادية لوقف نشاط الأونروا على الأراضي الفلسطينية فحسب، إذ حذّر أبو الرب من أن الدول المضيفة للاجئين الفلسطينيين، وعلى رأسها الأردن ولبنان، ستواجه ضغوطًا إضافية على موازناتها العامة.
وأوضح أن غياب الأونروا سيخلق فجوة تمويلية في قطاعات التعليم والصحة في دول تعاني أصلًا من أزمات اقتصادية ومالية خانقة، ما قد يؤدي إلى توترات اجتماعية واقتصادية متزايدة.