فلسطين أون لاين

عدالة ما بعد الإبادة تبحث عن طريقها بين الطوارئ واستحقاق العدالة

بعد أكثر من عامين من حرب إبادة شاملة عطّلت مؤسسات الدولة، وأثقلت كاهل المجتمع الفلسطيني بخسائر بشرية واجتماعية غير مسبوقة، يعود القضاء الشرعي إلى العمل بقرار طارئ يفتح باب التقاضي جزئيًا أمام المواطنين.

خطوة تحمل دلالات مهمة، لكنها تضع العدالة الفلسطينية اليوم أمام اختبار حقيقي.

لقد شكّل تعطّل القضاء طوال هذه الفترة فراغًا قانونيًا واسعًا، انعكس مباشرة على حياة الناس، خصوصًا في القضايا الأسرية والحقوقية التي لا تحتمل التأجيل. فغياب الفصل القضائي لم يكن مجرد تعطيل إداري، بل مساسًا بحقوق أساسية، من إثبات النسب والزوجية، إلى الطلاق والميراث، وصولًا إلى قضايا الحجر والوصاية، وهي ملفات تمس الاستقرار الاجتماعي في عمقه.

التعميم القضائي الطارئ الصادر مؤخرًا، والذي حصر نظر المحاكم في فئات محددة من الدعاوى، يأتي استجابة لحاجة ملحّة فرضتها ظروف استثنائية.

وهو في جوهره اعتراف رسمي بأن العدالة لا يمكن أن تبقى معلّقة إلى ما لا نهاية، حتى في ظل الحرب وتداعياتها المستمرة.

غير أن هذه العودة الجزئية، على أهميتها، لا ترقى بعدُ إلى استعادة كاملة لدور القضاء بوصفه الضامن الأول للحقوق.

إن حصر التقاضي في نطاق ضيق، وإن كان مفهومًا في سياق الطوارئ، يترك آلاف القضايا الأخرى عالقة، ويكرّس واقع العدالة المؤجلة، ويضاعف شعور المواطنين بالهشاشة القانونية.

فالمطلوب اليوم ليس فقط فتح أبواب المحاكم، بل فتح أفق واضح لاستكمال عودة القضاء تدريجيًا، وفق معايير توازن بين الإمكانات المتاحة وحقوق المتقاضين.

المرحلة الراهنة تتطلب قضاءً مرنًا، قريبًا من الناس، قادرًا على استيعاب آثار الإبادة على النسيج الاجتماعي، ومتجاوزًا للجمود الإجرائي.

فالثقة بالقضاء، التي تضررت بفعل التعطيل القسري، لا تُستعاد بالقرارات وحدها، بل بالممارسة العادلة، وسرعة الفصل، ومراعاة الظروف الإنسانية الاستثنائية.

إن عودة القضاء، مهما كانت محدودة، تبقى ضرورة وطنية، لكنها يجب أن تُقرأ بوصفها بداية مسار، لا نهايته.

فالعدالة في زمن ما بعد الإبادة ليست ترفًا مؤجلًا، بل شرطًا أساسيًا لإعادة ترميم المجتمع، وحماية الحقوق، وصون ما تبقى من تماسك اجتماعي في وجه الدمار.

المصدر / فلسطين أون لاين