صحفيون ومصوّرون رياضيون من غزة طاردوا شغف اللعبة في البطولات العربية والدولية، وصنعوا لقطات بقيت في الذاكرة، قبل أن يجدوا أنفسهم اليوم خارج الملاعب، وخارج المهنة تمامًا.
أولئك الذين اعتادوا الركض خلف الصورة والخبر، باتوا اليوم يركضون خلف لقمة العيش لأطفالهم، المغمّسة بالوجع.
صحفيون تغيّرت حياتهم 180 درجة؛ من حرارة الشغف الرياضي إلى قسوة بردٍ يداهم خيامًا بالكاد تقف. هكذا تبدّلت حياة كثير من الصحفيين الرياضيين في غزة.
عامان من حرب نزعت منهم أدواتهم، وأغلقت أبواب رزقهم، ودفعتهم إلى الهامش، بينما ما يزال زملاؤهم في الخارج قادرين على الاستمرار.
الإعلامي والمعلّق الرياضي محمد العجلة أحد هؤلاء الذين تذوّقوا المرارة؛ فبيته هُدم، وشقيقه استُشهد، وفقد عمله بعد توقّف البطولات الرياضية في غزة.
يقول العجلة لصحيفة "فلسطين"، وهو يتأمل صوره من تغطيته لكأس العالم قطر 2022: "كنت أتطلع للتواجد في الدوحة لتغطية بطولة كأس العرب، لكن الحصار المفروض على قطاع غزة حرمني، كما حرم كثيرين من زملائي، من تحقيق أحلامنا وتغطية انتصارات منتخبنا الوطني".
ويضيف: "أحاول أن أواسي نفسي بالتعليق على الأهداف عبر هاتفي ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن القلب ما يزال معلّقًا هناك، في ملاعب الدوحة".
ويتمنى العجلة رفع الحصار عن قطاع غزة، والسماح للصحفيين بالسفر والتنقّل، لنيل حقهم في تغطية الفعاليات الرياضية العالمية.
من جهته، أكد أشرف مطر، رئيس اتحاد الإعلام الرياضي، أنه جرى تقديم ملف كامل حول تقييد حركة الصحفيين خلال اجتماعات الاتحاد الدولي للصحافة الرياضية في المغرب عبر الزميل صفوان أبو شنب، وقد حظي الملف بالترحاب، إلا أن الاتحاد لم يناقشه لانشغاله بانتخاباته المقبلة.
وأشار مطر إلى أنه، كغيره من الصحفيين، نزح إلى الخيام، وفقد شقته في منزل العائلة بحي الشيخ رضوان وسط غزة، وما يزال الألم مستمرًا مع معاناة الحياة اليومية ومتطلباتها، وهو ما يعكس الحالة الصعبة التي يعيشها الصحفي الفلسطيني، شأنه شأن أبناء شعبه.
ووعد مطر بطرق كل الأبواب للحديث عن معاناة الصحفيين الرياضيين الفلسطينيين، ومطالبة المسؤولين بالوقوف إلى جانبهم ودعمهم.
أما المصوّر الصحفي يوسف بعلوشة، فقد حصل على بطاقة صحفية من الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" تتيح له تغطية بطولة كأس العرب المقامة في الدوحة، لكن الحصار وإغلاق المعابر حرماه من المغادرة، ليبقى بعيدًا عن ممارسة شغفه.
وأعرب بعلوشة عن أمله في أن يحصل الصحفي الفلسطيني على كامل حقوقه، وأن يتمكن من السفر بحرية لممارسة عمله، مطالبًا الجهات الدولية بالضغط على الاحتلال لفتح المعابر.
وأكد بعلوشة أنه سبق له تغطية بطولات عربية وقارية ودولية، غير أن الحرب والحصار حرماه من التواجد في كثير من المنافسات، كما أنه لم يمارس مهنته منذ عامين، بسبب توقّف النشاط الرياضي، وانشغاله بتأمين متطلبات الحياة اليومية، من تعبئة المياه، وإيقاد النار للطهي، إلى الذهاب مشيًا إلى الأسواق، ما يستنزف وقته وجهده.
الصحفي الرياضي في غزة فقد مهنته في الحرب، لكنه لم يفقد شغفه. وما يزال ينتظر من العالم الرياضي أن يمدّ له يد العون، وأن يقف وقفة إنسانية إلى جانبه، بدل أن يُترك وحيدًا في هذه الظروف القاسية.
وبعد كل ذلك، بات من الواجب على الأسرة الرياضية الدولية، من الاتحاد الدولي للصحافة الرياضية (AIPS)، إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA)، إلى اللجنة الأولمبية الدولية (IOC)، أن تستشعر ما حلّ بالصحفي الرياضي في غزة، والمأساة الإنسانية التي يعيشها. فقد كانوا جزءًا من نبض الأحداث الرياضية الكبرى، لكنهم فقدوا عملهم قسرًا، لا تقصيرًا.

