على أراضي عين كارم المهجّرة جنوب غربي القدس المحتلة، تمضي بلدية الاحتلال الإسرائيلي في تنفيذ مشروع استيطاني ضخم يقضي ببناء برج شاهق يحمل اسم "إبشتاين" أو ما بات يلقّب إعلاميًا بـ "برج خليفة"، ضمن مسعى واضح لتغيير المشهد العمراني والهوية التاريخية للمنطقة واستبدالها بمعالم يهودية مزوّرة.
وتعدّ عين كارم من أكبر القرى المقدسية التي تعرّضت للتهجير عام 1948، ولا تزال مبانيها الحجرية القديمة، ومنازلها ذات الطابع العربي الأصيل، شاهدة على جذورها الفلسطينية رغم محاولات الطمس المستمرة.
وخلال السنوات الماضية، كثّف الاحتلال مشاريعه الاستيطانية في القرى المهجّرة عام 1948، عبر إقامة أبراج ومجمّعات سكنية ضخمة تهدف إلى طمس آخر ما تبقى من ملامح عربية وتراث معماري يدل على هوية المكان.
وفي 2023 أقرت بلدية الاحتلال مخططًا لبناء مجمّعين استيطانيين في حي كريات مناحيم على أراضي قريتي المالحة وعين كارم، قبل أن يصادق مؤخرًا ما يسمى "المجلس الوطني للتخطيط والبناء" على مشروع البرج الاستيطاني الجديد في حي كريات يوفيل المقام على أراضي عين كارم، في خطوة تُعد امتدادًا لسياسة إحلال ممنهجة تستهدف جغرافيا المدينة وتراثها.
بدوره، يحذر الباحث المقدسي فخري أبو دياب من مشروع "البرج الاستيطاني" الذي تخطط سلطات الاحتلال لإقامته في قرية عين كارم غرب القدس، معتبرًا أنه خطوة إضافية في مسار طمس الهوية الفلسطينية وتغيير المشهد المعماري للمدينة بما يخدم المشروع الاستيطاني طويل المدى.
ووفق أبو دياب، فإن إقامة البرج جاءت بعد نقاشات طويلة قدّم خلالها الفلسطينيون ومؤسسات مختصة مئات الاعتراضات بسبب الارتفاع الهائل للبرج وموقعه الحساس، إلا أن وزارة الإسكان الإسرائيلية صادقت على المشروع، ليُقام بارتفاع يصل إلى 197 مترًا (56 طابقًا) على أراضٍ فلسطينية مهجّرة منذ عام 1948.
وسيضم البرج مجمعات مكاتب وشققًا سكنية ومؤسسات، بينما تتولى شركة هندسية عالمية ـ شاركت في تصميم برج خليفة في دبي ـ إعداد المخطط النهائي.
ويؤكد أبو دياب أن المشروع لا يهدف فقط لتغيير شكل المكان، بل لإعادة صياغة الأفق البصري للقدس عبر أبراج شاهقة تهيمن على المشهد وتُغَيِّب الطابع التاريخي العربي والإسلامي للمدينة، في إطار عملية منظمة تستهدف محو ذاكرة المكان واستبدالها بمعمار دخيل يخدم سردية الاحتلال.
وبحسب أبو دياب، فإن المشروع الاستيطاني لا يحمل أبعادًا عمرانية فحسب، بل يتقاطع مع الدور الأمني في القدس، إذ يمكن استغلال الأبراج العالية في أعمال المراقبة، ونشر أنظمة رادار واتصال، وتشكيل نقاط مراقبة تطل بصريًا على مساحات شاسعة تمتد نحو الأقصى والساحل الفلسطيني.
ويشير إلى أن مشروع عين كارم حلقة ضمن سلسلة متصاعدة من محاولات الاحتلال تثبيت الوجود الاستيطاني وإحلال المستوطنين وتحويل الجغرافيا إلى أداة رقابة دائمة، فيما يبقى الفضاء العمراني واحدًا من أخطر ساحات الصراع على هوية القدس ومستقبلها.