عكس إعلان رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تعيينه سكرتيره العسكري الجنرال رومان غوفمان رئيسًا جديدًا لجهاز الاستخبارات الخارجية "الموساد"، آلية التعيينات الأمنية والعسكرية في (إسرائيل) التي يتحكم بها نتنياهو وزوجته سارة.
ولذلك أوقع إعلان تعيين "غوفمان" رئيسا جديدا لـ"الموساد" موجة واسعة من الانتقادات في الأوساط السياسية والأمنية، وسط تحذيرات من تداعيات قرارات "نتنياهو" التي تميل لتقديم "الولاء" لشخصه بدلا من الكفاءة الأمنية والعسكرية.
وأثار سجل "غوفمان" المهني شبهات كثيرة، إذ سبق أن قدّم خلال إحدى مراحل ترقيته العسكرية، تقريرا احتوى على معلومات غير دقيقة، ورأى منتقدون أن صعوده في المناصب جاء نتيجة قربه من "نتنياهو" أكثر من كونه تعبيرا عن كفاءته أو خبرته.
وتذهب قراءات مسؤولين سابقين في "الموساد" أن التعيين يعكس توجها متزايدا لدى "نتنياهو" لترسيخ نفوذ سياسي مباشر داخل الأجهزة الاستخباراتية، في خطوة قد تمس بثقافة الجهاز القائمة على المهنية والسرية والحياد.
وبالتزامن مع حالة السجال الإسرائيلي، نشرت "القناة 13 الإخبارية" تقريرا ذكرت فيه أن "غوفمان" التقى بزوجة رئيس الوزراء، في محادثة مطولة قبل أن يتم تعيينه في المنصب.
وتضمن التقرير تفاصيل عن تاريخ تدخلات "سارة نتنياهو" في تعيين كبار المسؤولين في المنظومة الأمنية.
"جزء من مشروعه"
وربط الباحث في الشأن الإسرائيلي ياسر مناع، تعين "غوفمان" بسلسلة تعيينات طويلة لـ"اليمين الإسرائيلي" الذي بدأ بإحكام سيطرته على الأجهزة الأمنية منذ سنوات.
ورأي مناع في حديثه لصحيفة "فلسطين" أن هذه النزعة تعمّقت بصورة أوضح خلال حكومة "نتنياهو" الحالية ولا سيما مع تصاعد نفوذ "اليمين القومي" و"الديني" في مؤسسات الكيان.
واستدل بجهود "نتنياهو" التدريجية في إعادة هندسة مراكز القوة الأمنية والاستخبارية، من خلال تعيين شخصيات تدين له بالولاء السياسي أو تتبنى رؤيته الأيديولوجية الأمر الذي جعل "منظومة الأمن جزءًا من مشروعه السياسي الأوسع".
ونوه إلى أن هذا التعيين يأتي وسط سياق سياسي يشهد توترا حول مسؤوليات الإخفاق الأمني في التصدي لمعركة "طوفان الأقصى" 7 أكتوبر 2023م، ورغم أهمية ذلك إلا أن هذا القرار يتجاوز البعد التكتيكي الآني ويأتي في إطار استراتيجية أوسع لترسيخ السيطرة المؤسسية على أجهزة الكيان.
ومن وجهة نظره فإن الهدف الجوهري لا يقتصر على مصلحة "نتنياهو" الشخصية، بل يندرج ضمن مشروع "اليمين الإسرائيلي" الأعمق الذي يسعى إلى إعادة تعريف العلاقة بين "(الدولة) والأمن والهوية القومية اليهودية" ولا سيما أن هذه السيطرة تضمن توجيه القرارات الأمنية والاستخبارية بما يخدم رؤية قومية – دينية.
وذكر مناع أن هذه الأولية تقدم المشروع الاستيطاني وأمن المستوطنات، وتُقلص هامش الاستقلال المهني والتقديري للأجهزة الأمنية التقليدية التي كانت أكثر براغماتية في الماضي.
"إحكام السيطرة"
في المقابل، رأي المحلل العسكري أمير أورين أن تعيين "غوفمان" ليس خطوة مهنية بقدر ما هو قرار سياسي يهدف إلى تعزيز قبضة "نتنياهو" على الجهاز تماما كما حدث في تعيين "ديفيد زيني" لرئاسة جهاز الأمن العام لـ"الشاباك".
وبتقديرات أورين في مقاله المنشور بصحيفة "هآرتس" العبرية فإن "نتنياهو" يبحث في رؤساء الأجهزة الأمنية عمن "يحيي ويمجد ولا يتدخل، من يضمن الولاء المطلق أكثر من الكفاءة المهنية".
واستعرض خلال مقارنته بين "غوفمان" وقادة سابقين في "الموساد" جاؤوا من خلفيات عسكرية واستخباراتية عميقة، مقارنة مع الجديد ضابطا مقاتلا يفتقر للخبرة العملياتية والاستخباراتية الجوهرية التي شكّلت أساس صعود رؤساء سابقين للجهاز.
ووصفه بأنه "لواء بلا مسار استخباراتي" نقل إلى المنصب بقرار سياسي ولأسباب خارجية.
وربط تعينه ضمن نمط متكرر في عهد "نتنياهو" الذي اختار في الأشهر الأخيرة رؤساء أجهزة أمنية بناء على معيار شخصية، فيما يعتبر أن "الولاء يتقدم على الاحتراف".
وبشأن مصلحة "نتنياهو" في التعين الجديد، أشار إلى أنه يسعى من خلال "غوفمان" لتهيئة بيئة داخل "الموساد" تسمح بتوسيع نفوذ مبعوثه رون ديرمر الذي يتوقع أن يمنح دورا مركزيا في إدارة ملفات حساسة داخل الجهاز.
وخلص الكاتب الإسرائيلي إلى أن "نتنياهو" لا يفكر بمصلحة "الموساد" بقدر ما يفكر بالبحث عن رئيس جهاز يضمن الامتثال والطاعة، حتى وإن كان ذلك على حساب الخبرة المطلوبة.
"زلزال قادم"
وأمام هذه التعينات المتتالية، توقع الكاتب الإسرائيلي أمنون لورد، حدوث "زلزال قادم" داخل جهاز "الموساد" عقب تعيين "غوفمان" رئيسا له.
وبالرغم من أن الحديث عن مستقبل "غوفمان" في منصب رفيع لم يكن غائبا تماما خلال السنوات الماضية، فإن الإعلان عن تعيينه الآن بدا، في نظر لورد خلال مقاله الذي نشرته صحيفة (إسرائيل اليوم) العبرية، خطوة مفاجئة وصادمة داخل الجهاز نفسه.
ورأى أن خلفيته الشخصية والمهنية تشكل خروجا واضحا عن المسار التقليدي لصناعة النخب الأمنية في (إسرائيل)، إذ لم يتدرج عبر قنوات هيئة الأركان العامة ولا وحدات النخبة الرمزية مثل "سييرت متكال"، بل برز من قلب العمل العسكري القتالي المباشر.
وربط بين تعين "غوفمان" وتعين "زيني" اللذان يأتيان من خلفية عسكرية صلبة لا من دوائر النخبة البيروقراطية، وهو ما يعكس موجة جديدة يقودها "نتنياهو" تقوم على اختيار قادة أمنيين يعتمد عليهم سياسيا، ويثق بقدرتهم على تنفيذ رؤيته من دون إرث "نخبوي" أو استقلالية مؤسساتية مزعجة.
وفي هذا السياق، استدلت "القناة 13 الإخبارية" بتعين رئيس "الموساد" السابق يوسي كوهين، نُشر أنه وعد بإظهار الولاء الشخصي لرئيس الوزراء وزوجته سارة، عندما تم تعيينه رئيسا لمجلس الأمن القومي عام 2013. بحسب راوي القصة رجل الأعمال أرنون ميلتشن ومساعدته هاداس كلاين، في شهاداتهما ضمن ملفات نتنياهو القضائية.