أثار إعلان الاحتلال "الإسرائيلي" عزمه فتح معبر رفح البري للمغادرين فقط موجة من التساؤلات حول أهدافه الحقيقية، وسط اتهامات بأن "إسرائيل" تحاول فرض واقع ميداني يخدم أجندتها التهجيرية، متجاوزة كل القوانين والاتفاقيات الدولية، بما فيها خطة ترامب لوقف الحرب في غزة، التي نصت على تشغيل المعابر في الاتجاهين لضمان دخول وخروج آمنين، مع احترام حق العودة.
وبينما تنفي القاهرة وجود أي تنسيق مسبق، تبدو "إسرائيل" وكأنها تعيد صياغة المعبر كأداة ضغط لفرض واقع ميداني يسهل مغادرة الغزيين دون ضمانات لعودتهم، في خطوة تثير مخاوف من فتح الباب أمام مرحلة جديدة من مخطط التهجير تحت غطاء إنساني.
وكان جيش الاحتلال قد أعلن أن فتح المعبر سيقتصر على من يحصلون على الموافقات الأمنية الإسرائيلية، وبالتنسيق -كما قال- مع الجانب المصري وبإشراف الاتحاد الأوروبي. في المقابل، نفت مصر أي تنسيق مع "إسرائيل" لفتح المعبر باتجاه واحد فقط، مؤكدة في بيان لهيئة الاستعلامات أنها لن توافق إلا بفتح المعبر "في الاتجاهين للدخول والخروج، كما نصّت عليه خطة ترامب للسلام".
أجندة تهجير
وفي السياق، أكد الأكاديمي والخبير في الشأن "الإسرائيلي" الدكتور محمد هلسة أن إعلان الاحتلال فتح معبر رفح "للمغادرين فقط" يعكس محاولة واضحة لفرض واقع ميداني يخدم أجندتها التهجيرية، خصوصًا في ظل غياب أي تنسيق مع الجانب المصري، الأمر الذي يجعل عودة المغادرين إلى غزة غير مضمونة على الإطلاق.
ويرى هلسة في حديثه لـ "فلسطين أون لاين"، أن القرار جاء متأخرًا ومحمّلًا بالألغام السياسية، بعدما نجحت "إسرائيل" في جر مرحلة الافتتاح إلى نهاية المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بدلاً من بداية تطبيقه.
ويشير إلى أن التناقض بين التصريحات الإسرائيلية والمصرية يكشف جوهر المشكلة: "إسرائيل" تتحدث عن فتح المعبر باتجاه واحد، بينما تنفي القاهرة وجود أي تنسيق، وهو ما يعني — وفق قوله — أن الاحتلال يحاول تصوير الأمر وكأنه "مشكلة مصر التي ترفض استقبال الغزيين". ويضيف أن هذا الطرح الإسرائيلي يهدف لإحراج القاهرة ودفعها للتعاطي مع المعبر خارج إطار الضمانات، بما يسهل عملية الخروج دون عودة، وهو ما ينسجم مع ما تسميه "إسرائيل" "التهجير الطوعي".
ويحذر هلسة من أن فتح المعبر بهذه الطريقة يطرح أسئلة خطيرة، فعدم وجود ضمانات للعودة يجعل أي فلسطيني يغادر — سواء للدراسة أو العلاج أو زيارة — مهددًا بعدم القدرة على الرجوع. ويعتبر أن هذه النقطة تحديدًا تمثل لب المخطط الإسرائيلي، إذ تستثمر"إسرائيل" حاجة الناس الملحّة للخروج لتضعهم أمام خيار أحادي الاتجاه. ويقول: "ما لم يخرج موقف مصري واضح يؤكد أن أي فتح للمعبر يتم بتنسيق يضمن عودة المغادرين، فإن "إسرائيل" تكون قد فتحت الباب عمليًا لتطبيق الترانسفير".
أما عن الموقف المصري المتوقع، فيرجح هلسة أن القاهرة ستتمسك بموقفها الرافض لأي ترتيبات لا تكفل العودة، إذ صنفت مصر قضية تهجير الغزيين كخط أحمر، مشيرًا إلى أن "إسرائيل" ستستخدم ضغوطًا إعلامية وسياسية في محاولة لتحميل مصر مسؤولية بقاء المعبر مغلقًا، لكنها في نهاية المطاف لن تتمكن من تجاوز الموقف المصري دون دعم أمريكي مباشر.
ويخلص هلسة إلى أن "الكرة الآن تُرمى عمدًا في الملعب المصري"، في محاولة لاستدراج القاهرة إلى فتح المعبر دون تنسيق، لكنه يعتقد أن مصر ستكون أكثر حذرًا في هذه المرحلة، وأن الولايات المتحدة قد تلعب دور "المفتاح" في ترتيب آلية مشتركة تضمن خروج الغزيين وعودتهم.
مشروع تهجير لم يتوقف
من جانبه، يرى الباحث في الشأن "الإسرائيلي" عادل شديد أن القرار الإسرائيلي بفتح معبر رفح باتجاه واحد يعكس "عقلية أحادية" تحاول من خلالها "إسرائيل" فرض نفسها كجهة آمرة، لا تنتظر موافقة أحد، في تناقض مباشر مع خطة ترامب التي نصت بوضوح على فتح المعبر في الاتجاهين لضمان دخول وخروج آمنين كما كان الحال قبل الحرب.
ويقول شديد لـ"فلسطين أون لاين"، إن "إسرائيل" تستغل مرحلة وقف إطلاق النار، أو على الأقل خفض وتيرة النار، لتمرير ما عجزت عنه الدبابة والطائرة والإبادة "التهجير"، مضيفًا: "فتح المعبر باتجاه واحد فقط، دون ضمان العودة، يعني أن من يغادر غزة — حتى لو خرج للعلاج أو الدراسة — قد لا يتمكن من العودة إطلاقًا، خصوصًا أن كل من سيُسمح له بالمغادرة يحتاج إلى موافقة أمنية إسرائيلية، ولن تمنح "إسرائيل" هذه الموافقة إلا بما يخدم مصالحها".
ويتابع حديثه: أن الموقف المصري جاء متناغمًا مع خطة ترامب ومع مصلحة بقاء الفلسطينيين في غزة، رغم الوضع الإنساني الكارثي الذي تحاول "إسرائيل" تعميقه إلى حد دفع الناس إلى اليأس، عبر إعاقة الإعمار ومنع الخيام والبيوت المتنقلة، بحيث يصبح الخروج — بلا عودة — هو الخيار المتاح.
وعن مكانة مشروع التهجير داخل "إسرائيل"، يجزم شديد أن الفكرة لم تتراجع رغم توقيع اتفاق خطة ترامب، بل "إن قرار التهجير الذي اتخذته حكومة الاحتلال قبل شهور — تحت مسمى تنفيذ خطة ترامب — ما يزال ساري المفعول"، مشيرًا إلى أن مكونات الحكومة تراهن على منع إدخال المواد الإنسانية ومنع الإعمار لتحقيق هذا الهدف، بعيدًا عن الوسائل العسكرية.
ويعتقد أن هناك قناعة إسرائيلية بأن استعادة ما تبقى من الأسرى عبر خطة ترامب والتفاهم مع حماس يمهد لمرحلة تفاهمات أمريكية–"إسرائيلية" تسمح بابتكار "آلية منظمة لتهجير الفلسطينيين"، سواء عبر معبر كرم أبو سالم، أو معبر "إيرز"، أو عبر البحر أو أي مسار آخر. ورغم وضوح الموقف المصري ورفض الغالبية الساحقة من الفلسطينيين، "إلا أن "إسرائيل" ما زالت مقتنعة أنها لم تفشل بعد في تحقيق هذا الهدف"، يؤكد شديد.
والأخطر — بحسب شديد — هو أن ماكينة نتنياهو الإعلامية نجحت في إقناع الرأي العام الإسرائيلي بأن هذه الحرب "استكمال لحرب 1948" وأن بقاء "إسرائيل" في المنطقة "لم يعد ممكنًا طالما بقي الفلسطينيون في غزة". ويشير إلى استطلاعات رأي حديثة تظهر أن 73% من المجتمع اليهودي يدعمون تهجير الفلسطينيين داخل أراضي الـ48 رغم أنهم مواطنون يحملون الهوية الإسرائيلية ويشاركون في الحياة السياسية. أما في ما يتعلق بغزة والضفة الغربية، فيقدر شديد أن نحو 99% من الرأي العام الإسرائيلي يرى ضرورة تهجير سكانهما