في الوقت الذي يفترض أن يشهد قطاع غزة هدنة إنسانية مستندة إلى اتفاق وقف إطلاق النار الذي رعته أطراف إقليمية ودولية بهدف الحد من المأساة الإنسانية المتفاقمة، تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ سلسلة من الخروقات التي تقوّض أي فرصة لتهدئة حقيقية. وفي هذا السياق، يقدم الخبير العسكري والاستراتيجي اليمني، العقيد رشاد الوتيري، قراءة شاملة لطبيعة هذه الخروقات وأهدافها وانعكاساتها على مسار الصراع.
يؤكد الوتيري أن الاحتلال، بعد عامين من حرب الإبادة على غزة، خرج مهزومًا رغم الدعم العربي والغربي والخليجي اللامحدود الذي تلقّاه، ورغم امتلاكه القدرة العسكرية الكافية لشن عمليات واسعة إلا أن "صمود المقاومة والشعب الفلسطيني في تلك البقعة الضيقة من قطاع غزة" – كما يقول – هو الذي قلب موازين القوى، وأثبت للعالم أن "الإرادة وروح الثبات قادرتان على كسر العدو".
ويرى الوتيري مع صحيفة "فلسطين"، أن ما تعيشه (إسرائيل) اليوم من أزمات داخلية وانقسامات وارتفاع في حالات الهروب والانتحار بين جنودها هو انعكاس لفشل استراتيجي عميق.
وعلى الرغم من الإعلان عن وقف إطلاق النار، يؤكد الوتيري أن الاحتلال يواصل الهمجية عبر استمرار القصف وفرض الحصار ومنع دخول المساعدات الغذائية والطبية، مع عرقلة خروج المرضى والجرحى والأطفال العالقين.
ويعتبر أن هذه الممارسات دليل على ضعف الاحتلال وهشاشته، وليست إجراءات عسكرية بقدر ما هي "محاولة لإثبات الوجود أمام داعميه الغربيين".
ووفقاً للمعطيات الميدانية تؤكد تقارير دولية استمرار الانتهاكات الإسرائيلية خلال الهدنة، من بينها استهداف مناطق سكانية ومواصلة التضييق على حركة المساعدات. كما وثقت الأمم المتحدة خلال الأشهر الأخيرة تأخيرًا متعمّدًا للشاحنات ومنعًا لوصول الوقود، مما شكّل خرقًا مباشرًا لبنود الاتفاق الإنساني.
وفي 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، دخل اتفاق لوقف حرب الإبادة وتبادل الأسرى حيز التنفيذ في غزة، لكن الاحتلال يواصل خروقاته للاتفاق، قتلا وتجويعا، ويتعنت في إدخال المساعدات الإنسانية، وفتح المعابر.
أهداف الاحتلال
ويرى الوتيري أن الاحتلال يسعى من خلال خروقاته إلى "إعادة فرض السيطرة الكاملة على قطاع غزة" وفشل حتى اليوم في تحقيق هذا الهدف. ويضيف أن (تل أبيب) تحاول إظهار قدرتها على التصعيد من جديد بهدف "تحقيق إنجاز وهمي" أمام الرأي العام الإسرائيلي والغربي، وأنها في إطار ذلك تواصل دعم المستوطنين لاقتحام المسجد الأقصى، بالتوازي مع حملات المداهمات المتزايدة في الضفة الغربية.
ويعتبر أن السلوك الإسرائيلي "سلوك محتل همجي" يهدف إلى فرض سياسة أمر واقع، وإعادة تشكيل الخريطة الميدانية، وصولًا إلى "فتح الممرات المائية والسيطرة على مناطق ذات قيمة اقتصادية"، وهي أهداف يرى الوتيري أنها قديمة متجددة.
ويحمّل الوتيري الدول العربية الوسيطة، مثل مصر وقطر وتركيا، مسؤولية "إعطاء الاحتلال الفرصة للمراوغة والتنصل من الاتفاقيات"، معتبرًا أن دور الوساطة في صورته الحالية "ورقة ضغط على المقاومة وليس على الاحتلال".
ويتابع أن الوسطاء "لم يتخذوا أي خطوات تصعيدية" رغم الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة، مطالبًا إياهم بسحب السفراء ووقف التعاون الاقتصادي ورفع شكاوى رسمية للأمم المتحدة كمواقف حد أدنى.
محور المقاومة
ويشدد الخبير العسكري على ان الاحتلال يشهد أزمة وجودية مع تضاؤل الدعم الغربي وتراجع الثقة الداخلية بقيادته، وعلى رأسها رئيس حكومته المتطرف بنيامين نتنياهو الذي "لم يعد أمامه سوى خيارين: المحاكمة أو استمرار الحرب".
ويشير إلى أن المقاومة الفلسطينية أثبتت أنها "رقم صعب" في المعادلة، وأن محور المقاومة يتحضر لـ"تصعيد واسع"، خاصة من اليمن التي "ستعود بقوة بأدوات جديدة وضربات نوعية"، على حد قوله.
ويكشف أن القوات المسلحة اليمنية "اتخذت قرارًا بالعودة إلى المواجهة"، وأن هناك استعدادات لعملية عسكرية "أكثر توسعًا وتأثيرًا"، تعكس "الجاهزية القتالية العالية". ويرى أن المنطقة "تقف على صفيح ساخن" وأن المرحلة المقبلة قد تحمل "تحولًا نوعيًا" في الصراع.
ويختم الوتيري حديثه بالتأكيد أن "الشعب اليمني لن يخذل الشعب الفلسطيني"، وأن المقاومة ستستمر حتى "تحرير الأرض"، مشدداً على أن الاحتلال "لا يفهم إلا لغة القوة، وأن الأيام المقبلة ستثبت ذلك".

