طوال عامين من الإبادة الإسرائيلية، ظل "مهدي" الناجي الوحيد من مجزرة عائلة المناصرة يترقب جهود وقف الحرب أو أي مبادرة لانتشال جثامين الشهداء من تحت الأنقاض والركام.
وتعود قصة "مهدي" من مخيم المغازي وسط القطاع إلى الشهر الثاني من حرب الإبادة الإسرائيلية 2023م، حينما نفذت الطائرات الحربية مجزرتها بحق منزل العائلة الذي جمع أسرته ونازحين آخرين من أقاربه بداخله.
وعلى أثر تلك المجزرة، استشهد 55 من العائلة والأقارب استطاعت فرق الدفاع المدني ومتطوعون بأدوات بسيطة آنذاك انتشال جثامين 47 شهيدا في حين بقيت 8 جثامين عالقة تحت الأنقاض حتى اللحظة.
وليس هذا فحسب، بل خضع الناجي من تلك المجزرة لعدة عمليات أبرزها بتر قدمه التي تهتكت نتيجة قوة الصواريخ الإسرائيلية.
ومسندا يديه على عكازيه، ظل "مهدي" يراقب جهود جهاز الدفاع المدني في غزة واللجنة الدولية للصليب الأحمر في انتشال جثامين الشهداء من تحت الركام والأنقاض كمرحلة أولى تقتصر على مخيمات وسط القطاع.
وبعد ساعات طويلة من العمل، استطاعت فرق الدفاع المدني العثور أسفل عائلة المناصرة على رفات الشهداء دون العثور على جثامين كاملة.
وتحدث لصحيفة "فلسطين" بقهر يملا قلبه: "لو بدأت تلك الجهود في بداية الحرب (..) لاستطعنا انتشال جثامين الشهداء وإكرام أجسادهم".
وأعرب عن أمله بإدخال معدات وآليات ثقيلة على غرار تلك المعدات الحديثة التي سمح الاحتلال بإدخالها داخل غزة من أجل البحث عن جثامين القتلى الإسرائيليين في غزة.
في ذات المكان أيضا الذي شهد مجزرة إسرائيلية بحق مربع سكني (النواصرة، أبو حامدة، أبو رحمة، زيادة) وارتقى على إثرها أكثر من 100شهيد، لا يزال عبيدة شابط (18 عاما) يراقب جهود انتشال جثامين الشهداء أسفل الركام.
فقد النازح من مدينة غزة إلى مخيم المغازي (وسط) في تلك المجزرة والدته وثلاثة شقيقات، فيما وصفه نجاته بـ"الأعجوبة".
يراقب عبيدة جهود انتشال جثامين الشهداء التي تسير ببطء بحسب وصفه خلال حديثه لصحيفة "فلسطين"، معربا عن أمله بإدخال آليات ومعدات تناسب حجم الكارثة الإنسانية التي حلت في غزة بفعل الإبادة الإسرائيلية الجماعية.
وارتفعت حصيلة الشهداء منذ 7 أكتوبر/ تشرين أول 2023م وحتى اللحظة إلى أزيد عن 70.100 شهيد و170.987 جريحا، ووفقا لوزارة الصحة فإنه تم إضافة 299 شهيدًا إلى الإحصائية التراكمية للشهداء بعد اكتمال بياناتهم واعتمادها من اللجنة الحكومية المختصة، وذلك عن الفترة الممتدة من 21/ نوفمبر وحتى نهاية ذات الشهر.
صعوبات وتعقيدات
بحسب مدير جهاز الدفاع المدني في المحافظة الوسطى العميد رامي العايدي، فإن طواقم الجهاز بدأت العمل في البحث عن جثامين الشهداء أسفل ركام المنازل المدمرة بتاريخ 22 نوفمبر/ تشرين ثان الماضي وتحديدا في مخيم المغازي ثم مخيمات المحافظة كـ"تجربة أولية" تشمل 75 منزلا.
وذكر العايدي في حديثه لصحيفة "فلسطين" أن العمل يسير ببطء؛ نظرا للأدوات البسيطة التي يمتلكها الجهاز والاعتماد على آلة واحد قديمة ومتهالكة عبارة عن "باقر" تم إصلاحه عدة مرات واستئجاره من شركة خاصة.
وأوضح أن انتشال جثامين الشهداء الذين يقدر عددهم أسفل الركام وسط القطاع بنحو 300 شهيدا يتم عبر اتفاقية مشتركة مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر وذلك في إطار مشروع "دار الجثامين" لإخراج جثامين الشهداء من تحت الركام.
وخلال الإبادة الجماعية، شن جيش الاحتلال عمليات عسكرية جزئية وقصف جوي مكثف صوب بنايات سكنية في مخيمات وسط القطاع، دون غيرها من المحافظات التي تعرضت لعمليات برية واسعة ودمار شامل.
وخلال 10 أيام، تمكنت طواقم الدفاع المدني، بحسب مديرهم، البحث أسفل ركام 8 منازل تخللها انتشال رفات 20 شهيدا، دون تمكن تلك الطواقم الحكومية والعائلية التعرف على هويات تلك الرفات.
وعزا الأمر إلى طول أمد الفترة الزمنية (أكثر من عامين) لجثامين الشهداء أسفل الركام واحتمالية تحلل الجثامين أو تبخرها جراء قوة الصواريخ الإسرائيلية وكذلك إمكانية تعرضها للنهش من الحيوانات.
وتطرق إلى الجرائم والمجازر الإسرائيلية التي تسببت خلال أزيد عن عامين من الإبادة الإسرائيلية بقتل عائلات بأكملها وحذفها من السجل المدني لسكان غزة.
وتشير تقديرات حكومية في غزة إلى تعرض 39 ألف سرة تعرضت للمجازر في غزة، تخللها إبادة 27 ألف أسرة أُبيدت ومُسحت من السجل المدني بعدد 8563 شهيدا، في حين أبيدت 6020 أسرة ومُتبقي منها ناجي وحيد بعدد 12911 شهيدا.
ولذلك، رأي العايدي أن عملية البحث عن جثامين نحو 10 آلاف شهيد أسفل الركام والدمار في محافظات القطاع، سيكون عملية صعبة ومعقدة، وتتطلب آليات ومعدات ثقيلة وخاصة للبحث أسفل الطبقات الاسمنتية للبنايات أو الأبراج السكنية.
وشدد على ضرورة الضغط الدولي والأممي على سلطات الاحتلال لإدخال آليات ومعدات ثقيلة تمكن الطواقم والجهات المختصة إنقاذ الحالة الإنسانية في غزة المدمرة، ولا سيما بعد قصف الاحتلال وتدميره لـ85 % من تلك الآليات الخاصة بجهاز الدفاع المدني خلال الإبادة الجماعية.
وتفرض سلطات الاحتلال قيود عسكرية مشددة على الواردات على غزة رغم "البروتوكول الإنساني" لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع في يناير/ كانون أول 2025 والذي ينص على إدخال آليات ومعدات ثقيلة وغيرهما من المستلزمات العاجلة للإغاثة والإيواء.