*﴿إِ*ن تُصِبكَ حَسَنَةٌ تَسُؤهُم وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُون**َ }التوبة50
في زمن المحن، حين تُختبر القلوب وتُكشف السرائر، يخرج المنافقون من جحورهم كما تخرج الخفافيش عند الغروب، يلوكون الكلام المسموم، ويطعنون في ظهر المجاهدين بالكلمة قبل السلاح. هم لا يفرحون بنصر، ولا يحزنون على مصيبة، بل يتربصون بكل لحظة ضعف ليبثوا الوهن، ويشيعوا الهزيمة، ويقولوا: "غزة جنت على نفسها".
لكن غزة، وهي تصطلي بنار المحرقة، لا تبكي ولا تنكسر، بل تصنع من الطوفان غربالًا يميز الله به الخبيث من الطيب، ويكشف وجوهًا كانت تتقنع بالإصلاح وهي للفساد أقرب، وتدّعي الوطنية وهي أول من يفرّ من ساحات البأس.
هؤلاء هم الذين طعنوا الأمة في أحد، وتذرّعوا بالخوف في الخندق، وتربّصوا بالأحزاب، يخدعون الناس بزخرف القول، ويتلونون كالحرباء بين الدعوة والفرار، بين النصيحة والخيانة. يرون في المقاومة تهورًا، وفي الدم المسفوح عبثًا، ويتمنون لو أن غزة ألقت سلاحها وجثت تحت أقدام جلادها.
لكنهم لا يعلمون أن غزة اليوم تصنع الفرقان، بين زمن الذل وزمن العزة، بين زمن الخشب المسندة وزمن الرجال، بين زمن الإيمان وزمن اللؤم الذي يسكن قلوبًا أنهكها مرض النفاق.
المنافقون كانوا في مجتمع النبوة، فكيف لا يكونون في غزة؟ لقد خصّهم القرآن بسورة كاملة، ووصمهم بالدرك الأسفل من النار، لأنهم آمنوا ثم كفروا، وطُبع على قلوبهم. هم الذين قالوا يوم أحد: {لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ}، ويوم الأحزاب: {إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ}، وهم الذين يخادعون الله والذين آمنوا، ويزعمون أنهم مصلحون، ويحسبون كل صيحة عليهم.
هم العدو، فاحذرهم. هم الذين إذا جاء الخوف ارتعدت أعينهم، وإذا زال، سلَقوا المؤمنين بألسنة حداد. هم الذين يبيّتون ما لا يرضى الله من القول، ويقولون: {إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا}، ويحسبون أن أيام المقاومة معدودة، وأن الراية البيضاء هي الحل.
القرآن لم يواجه النفاق بردود فعل عاطفية، بل بمنهج استراتيجي متدرج:
1. العزل والتحذير في مرحلة الضعف.
2. الإعراض والوعظ حين تقوى الجماعة.
3. الفضح والتحذير بعد انكشاف الخطر.
4. كشف الارتباطات الخارجية التي تغذي النفاق.
5. تفنيد الطروحات وتسفيهها.
6. سنّ العقوبات الرادعة لحماية الصف الداخلي.
هذا المنهج ليس مجرد سرد تاريخي، بل هو خارطة طريق للمجتمعات الباحثة عن الحرية اليوم، في مواجهة الفكر المعادي للعقيدة، وفي الحفاظ على وحدة الصف دون تساهل مع الخطر المتخفّي.

