رغم التحولات الكبرى التي شهدها المشهد الفلسطيني خلال العام الأخير، من اتساع رقعة الحرب في غزة إلى تصاعد القمع والاستيطان في الضفة الغربية، لا تزال المقاومة حاضرة كعامل مركزي يعيد تشكيل المعادلة السياسية والأمنية في الأرض المحتلة.
وبرغم أن بعض الأطراف المحلية والإقليمية والدولية تحاول شيطنة المقاومة أو محاصرتها أو إخمادها، إلا أن الواقع اليومي في الضفة وغزة يكشف أن جذوة الفعل المقاوم لم تخمد، بل ازدادت رسوخًا واتساعًا مع اتساع حجم المأساة.
وقد خلّفت حرب الابادة على قطاع غزة، وما رافقها من عمليات إبادة وتهجير، قناعة واسعة بأن الاحتلال لا يسعى فقط لإضعاف المقاومة، بل لاستكمال مشروع أوسع يقوم على تفكيك المجتمع الفلسطيني وتغييب حقوقه السياسية.
وفي الضفة الغربية، تزايدت خلال العام الماضي اعتداءات المستوطنين واقتحامات جيش الاحتلال، حتى باتت القرى والبلدات الفلسطينية تعيش في حالة طوارئ مستمرة، تقابلها موجة من العمليات الفردية والنشاط الشعبي المناهض للاحتلال.
وبرغم محاولات بعض الأطراف المحلية والإقليمية والدولية شيطنتها، أو السعي لإخماد جذوتها، فإن التطورات على الأرض تؤكد أن جذور المقاومة أعمق من أن تُقتلع، وأنها مرتبطة بالبنية التاريخية والاجتماعية للشعب الفلسطيني، كما يؤكد الكاتب والمحلل السياسي خالد منصور.
ويقول منصور لـ "فلسطين أون لاين": "ما دام هناك احتلال فهناك مقاومة"، في قاعدة يعتبرها راسخة لدى جميع الشعوب التي خاضت تجارب مشابهة.
ويقول إن الشعب الفلسطيني تعلّم عبر عقود طويلة أن الاحتلال، بجرائمه واستيطانه واقتحاماته، لا يترك خيارًا سوى المقاومة، مشيراً إلى أن كل محاولات شيطنة المقاومة، أو حصرها في فصائل معينة، تتجاهل حقيقة أن فكرة المقاومة نفسها متجذرة في الوعي الفلسطيني، وأنها ستستمر حتى لو تم القضاء على التنظيمات القائمة أو سُحبت الأسلحة، لأنها "فكرة" قبل أن تكون "هيكلاً" أو "سلاحًا".
من جهته، يرى الكاتب والمحلل السياسي محمد القيق، أن الحملة الإعلامية والنفسية التي يشنها الاعلام العبري على المقاومة الفلسطينية، سواء بتناول قضية المقاتلين في رفح وتضخيم الملف، وكذلك في الضفة في مواصلة تعزيز فكرة الردع المفرط حتى لا يتسنى للمقاومة ان تنتشر.
ويؤكد القيق لـ"فلسطين أون لاين"، أن هذه الحملة الأمنية والإعلامية تهدف لكسر إرادة الفلسطينيين، لصالح الاحتلال ومستوطنيه الذين تتصاعد جرائمهم، واستيلاءهم على أراضي المواطنين في الضفة، وتشديد الحصار على غزة.
ويوضح أن هذه الحملات تأتي في إطار الموازنة ما بين تدمير الفلسطينيين وثقافة المقاومة لديهم واحباطهم وفي نفس الوقت تصعيد عملهم الميداني من المستوطنين والجيش.
ويشدد على ضرورة أن تُلاقى حملات الاحتلال بحملات أوسع من المقاومة وإعلامها وفي الساحتين الداخلية والدولية وتعزيز المسيرات التي تخرج في العالم نصرة لغزة.
ويبين أن الأخطر من ذلك أن هناك سياسة عربية تتماشى مع الإسرائيليين في اعلامهم في سبيل طمس المعالم الفلسطينية، محذراً من أن هذه الحملات تستهدف القضية الفلسطينية بأكملها، لأن استمرارها يعني مواصلة عربدة المستوطنين واستغلال كل المواقف لصالح الاحتلال.
تهدئة الضفة
وفي الضفة الغربية، تتصاعد الهجمات اليومية للمستوطنين وجيش الاحتلال بصورة غير مسبوقة خصوصاً بعد اندلاع حرب الإبادة في السابع من أكتوبر 2023 وذلك عبر تصعيد مشاريع التوسع الاستيطاني والاعتداءات التي طالت القرى والبلدات الفلسطينية من الأغوار وحتى شمال الضفة.
ويشير منصور إلى أن هذا التصعيد يهدف، ضمنًا، إلى "تهدئة الضفة" عبر القمع المكثف، من أجل الفصل السياسي والجغرافي بينها وبين قطاع غزة.
ويرى أن هذا المخطط يتناقض مع ادعاءات الاحتلال حول "الأمن"، إذ أن تزامن الاستيطان مع القمع الشديد يؤدي إلى زيادة الاحتقان، وبالتالي تعزيز حضور المقاومة بأشكال فردية وجماعية.
ويقول منصور: "لن يستطيع الاحتلال إنهاء فكرة المقاومة حتى في غزة، رغم حجم التدمير الذي ارتكبه". ويضيف أن الإبادة المستمرة لن تنتهي في صورتها الحالية، بل ستظهر بأشكال أخرى مرتبطة بالتهجير والضغط على السكان من خلال المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار التي يستخدمها الاحتلال كأداة ابتزاز سياسي.
ويعتبر منصور أن قرار مجلس الأمن الأخير، الذي طُرح كخطوة نحو تهدئة إنسانية أو انتقال سياسي، يفتح سيناريوهات معقدة، أخطرها –وفق رأيه– تكريس الفصل بين غزة والضفة عبر ترتيبات أمنية وإدارية مختلفة.
ويرى أن أي وصاية أمريكية تحت اسم "مجلس السلام" أو غيره، ستُستخدم للضغط على الفلسطينيين سياسيًا، بعيدًا عن معالجة جذور الصراع المتمثلة في الاحتلال نفسه.
ورغم تصاعد الاعتداءات اليومية للمستوطنين في الضفة الغربية، وتوثيق منظمات حقوقية إسرائيلية ودولية لهذه الانتهاكات، يظل الموقف الدولي –كما يصفه منصور– أقرب إلى الصمت أو التجاهل.
وتُظهر التطورات الأخيرة في الضفة وغزة أن المقاومة الفلسطينية، بجميع أشكالها، ليست حدثًا آنيًا يمكن إخماده عبر الضغط أو الشيطنة، بل هي تعبير عن واقع سياسي واجتماعي وإنساني تخلقه سياسات الاحتلال نفسها.