نزوح للمرة الثالثة عشرة… هو ما واجهه الطالب إبراهيم سامي شعت في الوقت الذي كان يقترب فيه من إنهاء الثانوية العامة. لكن هذا النزوح المرير والأخير قلب حياته رأسًا على عقب؛ إذ هدم الاحتلال الإسرائيلي منزل أسرته، واضطر لـ"لملمة" كتبه التي تناثرت حول المنزل بين ممزق ومبلول. ومع ذلك، لم يفت كل ما حدث في عضده، بل زاده إصرارًا على المضي نحو حلمه بالتفوق.
ورغم أن إبراهيم كان يتحمل مسئوليات أسرته كونه الابن البكر—بين تعبئة المياه العذبة وتكسير الحطب والتسوق، إضافة إلى كونه المسؤول الأول عن نقل أغراض العائلة خلال النزوح المتكرر—إلا أن ذلك لم يثنه عن استراق بعض الوقت للدراسة وتحقيق هدفه.
يقول إبراهيم، الحاصل على المرتبة الثانية على مستوى قطاع غزة في الفرع العلمي بمعدل 99.4%:
"كانت مسيرتنا الدراسية كطلاب توجيهي 2024 صعبة جدًا؛ فلم ندرس وجاهيًا لمدة أربع سنوات بسبب جائحة كورونا ثم حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة."
ويضيف: "كان المجهود الذاتي في الدراسة كبيرًا جدًا لتعويض الفاقد التعليمي، وهو أمر بالغ الصعوبة خلال الحرب بسبب فقدان المأوى وصعوبة الحصول على الإنترنت."
وأشار إلى أن تكرار الحديث عن عقد الامتحانات ثم التراجع عنه أثّر سلبًا على نفسية الطلاب. "وفي شهر مارس الماضي، عندما طلب الاحتلال من سكان مدينة خانيونس إخلاءها، كان ذلك النزوح الثالث عشر الذي قاسيت أنا وأسرتي ويلاته."
ويتابع: "خرجنا دون أن نأخذ شيئًا من أغراضنا، حتى كتبي المدرسية. استقر بنا الحال في خيمة بمواصي خانيونس، وهناك فقدنا المنزل الذي حُرق ودُمر من قبل الاحتلال. عدت إلى محيطه وجمعت ما استطعت جمعه من بقايا كتبي."
وأوضح أنه تدبّر بقية الكتب بالاستعارة من الأقارب والمعارف، وكان يقضي وقتًا طويلاً للوصول إلى مناطق تتوفر فيها خدمة إنترنت جيدة لتحميل فيديوهات الشرح. "أما الأيام التي يكون فيها الجو حارًا جدًا أو باردًا داخل الخيمة، فكانت الدراسة خلالها مشقة كبيرة."
ويردف: "خلال المجاعة التي ضربت قطاع غزة، كنت أدرس وأنا غير قادر حتى على التوازن بسبب قلة الغذاء، أما الدراسة في المساء على ضوء الهاتف المحمول بسبب انعدام الكهرباء فكانت معاناة من نوع آخر."
وينوّه إلى أنه لولا مساعدة أسرته لما تمكن من تجاوز هذه الظروف الصعبة؛ فوالده يحمل درجة الأستاذية في الفيزياء ويشغل منصب عميد القبول والتسجيل في الجامعة الإسلامية، وشقيقته التي اجتازت الثانوية العامة عام 2006 بمعدل 96.3% ساعدته في المواد العلمية، فيما كانت والدته الحاصلة على درجة الماجستير في الصحافة والإعلام تساعده في المواد الأدبية.
وفي يوم إعلان النتائج، كان إبراهيم يتوقع معدلًا لا يقل عن 99.1%. "كان الإنترنت ضعيفًا جدًا، فعرفت نتيجتي عبر رسالة من شركة جوال… وكانت فوق توقعاتي؛ فقد حصلت على معدل 99.4%، وعمّت الفرحة أسرتي."
ويضيف بسعادة: "فرحنا مرتين؛ الأولى بالمعدل المرتفع، والثانية عندما تلقينا اتصالًا من صديق لوالدي يخبرنا بأنني حصلت على المرتبة الثانية على مستوى قطاع غزة."
ويوجّه شعت رسالة لطلبة توجيهي 2025 قائلًا: "تحقيق النجاح لا يتطلب توفر كل وسائل الراحة. صحيح أن الإنترنت ومستلزمات الدراسة تسهّل العملية التعليمية، لكن الركيزة الأساسية للنجاح تكمن في التوكل على الله، والأخذ بالأسباب، والإصرار والعزيمة."

