فلسطين أون لاين

تفوق يحكي وجع غزة وصمودها.. طلاب التوجيهي ينتزعون الفرح من بين الركام والفقد

...
تحديات صعبة عاشها طلاب الثانوية العامة في غزة جراء الإبادة الجماعية
غزة/ يحيى اليعقوبي

من بين الركام، ومن قلب خيام النزوح، ومن داخل قلوب أثقلها الفقد ومآسي الحرب، شق شعاع الفرح طريقه فجر يوم جديد استيقظت فيه غزة على إعلان نتائج الثانوية العامة لمواليد 2007، بعد شهر من إعلان نتائج مواليد 2006.

استعادت غزة بذلك شيئًا من أفراحها التي كانت تحمل في ذاكرة الناس طعم الصمود ولون التحدي، بعدما سلبتها الإبادة الجماعية، وكادت أن تجهز على أحلام الطلبة الذين واجهوا الحرب بكل ما فيها من وجع وتشريد ونزوح، وأصروا على استكمال تعليمهم في بيئة لا نظير لصعوبتها في أي مكان بالعالم.

شذا المصري.. عدسة والدها غابت عن فرحتها بالتفوق

قبل ساعة من إعلان النتائج، جلست شذا المصري، ابنة المصور الصحفي الشهيد حسام المصري، داخل خيمة نصبتها العائلة على أنقاض منزلها المدمر في خان يونس، تترقب النتيجة بخوف وقلق.

كان والدها، الذي استشهد أثناء تغطيته مهمة صحفية في مستشفى ناصر الطبي يوم 25 أغسطس 2025، الغائب الحاضر في تفاصيل اللحظة. وما إن وصلت النتيجة بحصولها على معدل 92.3% في الفرع العلمي، حتى عمّ الصمت المكان، وتوارت دموعها خلف كفيها، في مشهدٍ امتزج فيه الفرح بالحزن، وتجلّى فيه غياب الأب الذي تمنت أن يلتقط بعدسته صورة تفوقها.

5816526071715793915.jpg

تقول والدتها لـ "فلسطين أون لاين": "هذه الفرحة الثالثة التي نعيشها، لكنها جاءت بغياب والدها. استشهاده أثّر على دراسة شذا، فلم يمضِ سوى شهر بين المجزرة التي راح ضحيتها وعدد من الصحفيين والمسعفين، وبين الامتحانات النهائية، لكنها صممت على النجاح واستكملت دراستها رغم الصدمة."

تقول شذا بنبرة إصرار: "تعلمت من أبي أن الأحلام لا تتحقق إلا بالإصرار. درست رغم الجوع، وانقطاع الكهرباء، والخوف من القصف، وكنت أقطع الكيلومترات سيرًا للحصول على دروسي."

ديما أبو جزر.. مصابة لم تستسلم لفقد أمها وأشقائها الخمسة

أما ديما عمر أبو جزر، الحاصلة على 91.6% بالفرع العلمي، فكانت فرحتها انتصارًا على الفقد أكثر من كونها نجاحًا دراسيًا.

فقدت ديما أمها وأربع شقيقات وشقيقها الوحيد، وأصيبت هي بكسورٍ في العمود الفقري والحوض خلال قصفٍ إسرائيلي استهدف منزلهم في رفح يوم 23 أكتوبر 2023، مكثت بعدها شهرًا في العناية المكثفة، واعتقدت العائلة في البداية أنها استشهدت، قبل أن يتبيّن أنها ما زالت على قيد الحياة.

5816526071715793914.jpg

يصف والدها مشهد النجاح قائلًا: "هذه فرحة خرجت من وسط الركام، لكنها منقوصة. فقدت معظم عائلتي، لكن تفوق ديما كان شعاع أملٍ في ظلام الفقد."

تقول ديما بصوتٍ ممزوجٍ بالفرح والوجع: "التعليم كان صعبًا. درست في الخيمة وسط الحر، وكنت أتنقل مشيًا رغم ألم ظهري. لكن فرحة النجاح تستحق كل تعب."

ملك أبو زبيدة.. تمسكت بتفوقها لرفع رأس والدها وأشقائها الشهداء

من بين الجراح، شقّت ملك إياد أبو زبيدة طريقها نحو معدل 98.8% في الفرع الأدبي، مهداةً تفوقها لروح والدها وثلاث شقيقات وشقيقها الذين استشهدوا في الحرب.

في 10 نوفمبر 2023، قصف الاحتلال منزلهم فاستشهد شقيقها أحمد وشقيقتاها روان وجنات، فيما أصيبت ملك بجراح خطرة في الرأس. وبعد أشهر من العلاج، نزحت إلى منزل شقيقتها، لكن القصف لحق بها مجددًا في يوليو 2025 ليستشهد زوج شقيقتها، ثم والدها في قصف مدرسة مطلع أغسطس.

تقول ملك لـ"فلسطين أون لاين": "تفوقي هو رسالة وفاء لعائلتي الشهداء. رفعت رأسهم وحققت ما تمنوه لي. رغم الفقد، قررت أن أكمل طريق العلم كما أوصاني والدي."

5816526071715793913.jpg

وتضيف: "الدراسة كانت ملاذي الوحيد، رغم النزوح المتكرر وغياب المكان الآمن، لكن لا شيء يجب أن يقف أمام الحلم."

في غزة، تحوّل النجاح في الثانوية العامة إلى فعل مقاومة، وإصرارٍ على الحياة وسط الركام والفقد.

فكل شهادةٍ ودمعةٍ وابتسامةٍ هي حكاية صمودٍ تُروى للعالم بلغةٍ لا تحتاج إلى ترجمة: أن غزة، رغم الجراح، تبتسم وتنهض من بين الرماد.

المصدر / فلسطين أون لاين