قائمة الموقع

"حد السيف"... كيف تحوّل تسلل سري إلى أكبر فشل استخباراتي لإسرائيل داخل غزة؟

2025-11-11T17:46:00+02:00
صورة تعبيرية

رغم مرور 7 سنوات على معركة "حدّ السيف" التي خاضتها كتائب الشهيد عز الدين القسام شرق خان يونس جنوبي قطاع غزة، لا تزال تفاصيلها حاضرة في الذاكرة الفلسطينية، باعتبارها واحدة من أبرز المواجهات الأمنية والعسكرية التي كشفت هشاشة منظومة الاحتلال الاستخبارية، ورسّخت يقظة المقاومة وقدرتها على المواجهة النوعية.

وتعود بداية الحدث، في مساء 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، اكتشف القائد الميداني في كتائب القسام نور الدين بركة ومجموعته قوة إسرائيلية خاصة متخفّية بلباس مدني داخل مركبة في المنطقة الشرقية لمدينة خان يونس.

وخلال محاولة التحقيق مع أفرادها، بادرت القوة بإطلاق النار، لتندلع اشتباكات عنيفة أسفرت عن استشهاد بركة وعدد من رفاقه، ومقتل مسؤول القوة الإسرائيلية وإصابة آخرين، قبل أن تتدخل الطائرات الحربية الإسرائيلية بشكل مكثف لتأمين انسحاب القوة تحت غطاء ناري كثيف.

تفاصيل العملية

كشف تحقيق عبري عن تفاصيل غير مسبوقة تتعلق بالعملية الأمنية الفاشلة التي نفذتها وحدة إسرائيلية خاصة داخل قطاع غزة قبل سبعة سنوات، بهدف زرع أجهزة تنصت لاختراق منظومة اتصالات المقاومة الفلسطينية، وهي العملية التي اكتشفتها كتائب الشهيد عز الدين القسام وأحبطتها بالكامل في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، في ما عُرف لاحقًا بـ معركة "حد السيف".

أفاد المسؤول عن لجنة التحقيق في فشل العملية، الجنرال نيتسان ألون، أن الهدف "كان يستحق المخاطرة بعدد كبير من الجنود"، مشيرًا إلى أن الفائدة المتوقعة كانت "أكبر من المعتاد".

أما رئيس أركان الاحتلال آنذاك غادي آيزنكوت، فقال إن الجيش استعد للعملية "على مدار أشهر طويلة"، رغم إدراك القيادة للمخاطر، لأن "الهدف كبير جدًا وضروري للغاية"، وفق تعبيره.

ويضيف التحقيق أن التدريبات الخاصة بالعملية جرت بسرية تامة حتى داخل أروقة الجيش، وأن سلاح الجو الإسرائيلي شارك في التحضير تحت اسم رمزي هو "الفاكهة الاستوائية"، وتدرّب مع عناصر الوحدة على سيناريوهات محتملة أبرزها انكشاف القوة في عمق غزة وعمليات الإنقاذ السريع بالطائرات.

بداية الشكوك

بدأت الشكوك حين ترجل مجند ومجندة من القوة المتسللة لشراء أغراض من بقالة محلية، حيث لاحظهما سكان المنطقة، واقترب أحدهم من المركبة ليسأل عما إذا كان بإمكانه المساعدة، فأجابه أحد الجنود بالعربية: "كل شيء على ما يرام، نحن في زيارة لقريبة مريضة".

لكن المقاومة لم تقتنع بتلك الرواية.

وبحسب التحقيق، أرسل القائد نور بركة شابين على دراجتين ناريتين لتتبّع المركبة، قبل أن يتوجه بنفسه إلى الموقع للتحقق منها، طالبًا من عناصره متابعة فحص المنطقة. ويقر التقرير الإسرائيلي بأن الاستخبارات فشلت في رصد الاتصال بين بركة ومجموعته في تلك اللحظات الحاسمة.

بعد دقائق من المراقبة، أوقف عناصر القسام المركبة الإسرائيلية واستجوبوا ركّابها الذين تذرعوا مجددًا بزيارة مريضة تحتاج إلى كرسي متحرك، وهو ما لم يقنع المقاومين.

وخلال التحقيق الميداني، سأل الشهيد نور بركة أحد الجنود عن اسم إمام المسجد القريب، فأعطى إجابة خاطئة، كما فشلت القوة في إثبات صحة الأسماء والعناوين التي زعمت أنها تزور أصحابها، ما زاد من شكوك المقاومة.

ويؤكد التحقيق العبري أن غرفة القيادة المركزية في "تل أبيب" لم تتلقَّ أي بث مباشر من الميدان طوال عشرين دقيقة من التحقيق الميداني، رغم توفر وسائل المراقبة الحديثة، ما جعل القوة في الميدان "تعمل شبه معزولة" عن القيادة.

يقول التحقيق إن الوضع ازداد توترًا عندما قرر الشهيد نور بركة فصل أحد الضباط عن بقية أفراد الوحدة للتحقيق بشكل منفرد، بينما ركب أحد عناصر القسام مركبة القوة لتفتيشها. عندها، افتعل أحد الضباط الإسرائيليين حركة مفاجئة لصرف انتباه المقاومين، ليطلق قائد القوة النار باتجاه عناصر القسام، فاندلع اشتباك عنيف.

وفي تلك اللحظة، كما يوثّق التحقيق، فشلت القيادة المركزية الإسرائيلية في التواصل مع القوة المتسللة، قبل أن تتدخل الطائرات الحربية الإسرائيلية بكثافة لتأمين انسحاب ما تبقّى منها، وسط قصف جوي عنيف شرق خان يونس.

انتهت العملية بمقتل قائد القوة الإسرائيلية وإصابة عدد من أفرادها، واستشهاد القائد نور الدين بركة ورفاقه من كتائب القسام، الذين تمكنوا رغم ذلك من الاستيلاء على معدات تقنية ومعلومات استخبارية حساسة وُصفت لاحقًا بأنها "كنز استراتيجي" مكّن المقاومة من معرفة أساليب عمل الاحتلال في غزة وساحات أخرى.

وخلص التحقيق العبري إلى أن العملية كانت "الأكثر فشلًا في تاريخ وحدة سيرت متكال"، وأن نتائجها أحدثت زلزالًا في المنظومة الأمنية الإسرائيلية، إذ دفعت إلى استقالة قائد العمليات الخاصة في شعبة الاستخبارات العسكرية وإعادة تقييم أساليب العمل الميداني داخل المناطق الفلسطينية.

تمكنت المقاومة من الاستيلاء على أجهزة ومعدات تقنية تابعة للقوة، وصفتها بـ"الكنز الاستخباري"، إذ احتوت على كمّ هائل من المعلومات عن أساليب عمل أجهزة الأمن الإسرائيلية في غزة والمنطقة.

وأدى فشل العملية إلى استقالة قائد العمليات الخاصة في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، فيما اعتبر محللون إسرائيليون أن ما جرى مثّل إخفاقًا استراتيجيًا غير مسبوق لوحدة النخبة.

اندلاع معركة "حدّ السيف"

ردّت كتائب القسام على التوغّل بإطلاق مئات الصواريخ نحو المستوطنات والمدن المحتلة، بعضها دخل الخدمة للمرة الأولى، ما أدّى إلى مقتل 3 إسرائيليين وإصابة أكثر من 100 آخرين، وأجبر حكومة الاحتلال على طلب التهدئة خلال أيام قليلة.

ومنذ ذلك الحين، أطلقت المقاومة على تلك المواجهة اسم "حدّ السيف"، في إشارة إلى الحسم والردع الذي فرضته في الميدان.

القائد الشهيد نور الدين بركة

ولد نور الدين بركة عام 1980 في مدينة خان يونس، والتحق مبكرًا بصفوف كتائب القسام عام 2003، متدرجًا في العمل الميداني حتى أصبح مسؤول الأمن الميداني في المنطقة الشرقية للمحافظة.

عرف بركة بذكائه وورعه وحسّه الأمني العالي، وكان من الشخصيات التي نذرت حياتها لحماية المقاومة ومتابعة النشاطات المعادية داخل القطاع.

استُشهد بركة بعد أن كشف بجرأته وفراسته واحدة من أخطر عمليات التسلل، ليصبح رمزًا للوعي الأمني المقاوم، وقدوةً للأجيال التي واصلت دربه في الدفاع عن الأرض والإنسان.

وتُعدّ "حدّ السيف" نقطة تحول في تاريخ المقاومة الفلسطينية، إذ كشفت عمق الاختراق الأمني الذي تسعى إليه إسرائيل.أظهرت يقظة المقاومة وتطورها التقني والاستخباري. عززت ثقة الجمهور الفلسطيني بخيار المقاومة، ورسخت وحدة الميدان بين الفصائل.

 

اخبار ذات صلة